تونس في شهر أفريل من سنة 2020 : ايداع مسؤول بجهة الكاف ( معتمد للشؤون المحلية) السجن بتهمة احتكار المواد الأساسية في زمن الوباء. فالحمد لله أن بلغنا زمن محاسبة المسؤول المحلي الفاسد وايداعه السجن بتهمة طالما اعتبروها بسيطة هيّنة وهم يعلمون أنها كبيرة و لكنهم كانوا كذلك، على الحق، دوما يتجاسرون.
بقلم كريمة مكّي *
اليوم فقط تحقق أهم مطالب تلك الثورة العطرة الفتيّة التي تمّ الالتفاف عليها و التنكيل بها طيلة تسع سنين ليتمادى الظلم الأليم و يتمادى المفسدون في فسادهم القديم و إنْ تبدّلت علينا فقط أسماؤهم و مسمّياتهم وألوان أقنعتهم و راياتهم.
قبل اليوم: كان ذلك المسؤول يحتكر في الأزمة و في غير الأزمة وأمام أعين الجميع من حوله دون أن يخشى أبدا من دخول السجن فالكلّ في الحلقة الموبوءة المحيطة به متواطىء و إنْ بدرجات: فإمّا لمنفعة و إمّا لخوف و إمّا بإهمالٍ و تقصير.
البارحة فقط و في هذا الزمن المُفزع و المُميت وفي جهتي الأم، جهة “الكاف” الجميلة المنسيّة، يعمد “السيّد المعتمد” إلى احتكار المواد الغذائية و منعها عن مستحقّيها هو الذي لا تكاد تفصله عن الآخرة إلاّ لحظات قليلة باعتبار أنّ الوباء قد جعل الناس في شكّ من كل لحظة آتية واعتبار أنّها قد تكون القاضية.
في هذا الوضع الذي هو أشبه بالقيامة الصّغرى التي أذّنت في العالم كلّه، لم ينسى “السيد المعتمد” ممارسات أسلافه فأوفى لها و وفّى و كأنّه سيعيش فيها أبدا… فإذا به يُهمل منظوريه ليجمع لخاصّة نفسه ما قد لا يلحق حتى على عدّه إذا ما عاجله الوباء في لحظة ماكرة.
إنه الجشع وإنه لداء يستبد بالنّفوس حتى و إن كانت على شفير الهاوية وهو لا يقتصر على الموظفين بمختلف درجاتهم بل قد يشمل حتى من يتعاطون مِهنا نبيلة كمهنة الطب التي عاد لها صِيت نُبلها بفضل هذا الوباء، هي التي قبله بقليل صارت مرتعا للمضاربين منهم بصحّة البشر في سبيل جمع ملايين قليلة أو كثيرة وهم لا يدرون أنهم بِقَسَمِ ” أبقراط” الذي أقسموه لا يشترون إلاّ عارا طويلا و ثمنا قليلا!!
اليوم، وبفضل هذا الوباء عرفنا الغثّ من الثمين في أكثر من مجال، إلا أنه و إن كان للأطباء، أولا وبالأساس، ضميرا تاريخيا يصدّهم عن التلاعب بحياة النّاس فإنّ للموظفين في الدولة – إذا ما غاب فيهم الضمير- دولة حازمة لا تخشى من سجن “معتمد” لديها كانت تعتمد عليه في إمداد المحتاجين بحاجياتهم فإذا به يعتمد على حاجة المحتاج لِسَدِّ حاجة في نفسهِ التي لا تشبع.
إنّ حدث سجن “المعتمد” بسبب الاحتكار لهو حدث جَلَل، به سنؤرّخ لبداية الثورة الحقّة على النظام القديم المتهالك.
فالحمد لله أن بلغنا زمن محاسبة المسؤول المحلي الفاسد وايداعه السجن بتهمة طالما اعتبروها بسيطة هيّنة وهم يعلمون أنها كبيرة و لكنهم كانوا كذلك، على الحق، دوما يتجاسرون.
الحمد لله كثيرا أن بلغنا هذا الزمن و كنّا، رغم الأمل المرابض في الأعماق، نظن تلك الثورة الحالمة قد انقبرت و نامت نومة دهرها فإذا بالوباء يُعيد إحياؤها في أجمل صورة على يد الحاكم الصّالح قيس سعيد.
فهنيئا لتونس و هنيئا لنا بهذا الرّجل الصادق الذي أوفى، كأجمل ما يكون الوفاء، للثورة في زمن الوباء.
* كاتبة و مدونة.
شارك رأيك