للمرّة الثانية في ظرف أسبوعين، يتقدّم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بحوار “ليليّ” موجّه إلى الشعب. في ظاهره خطاب لمصارحة التونسيّين حول حقيقة الوضع، وفي العمق والأصل، هو أيضا خطاب طغى عليه شعور الرّضا عن الذّات ولتعداد “الإنجازات” لهذا الفريق الحكومي واستعراض “البطولات”.
بقلم شريف خرايفي *
صحيح أنّ البعض الفئات الاجتماعيّة (المعوزون وذوي الدّخل المحدود ومن تشملهم البطالة الفنية) نالت بضعة دنانير في شكل مساعدات اجتماعيّة (وهي منحة لا تغني ولا تسمن من جوع في ظلّ ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائيّة)، ولكن لدينا معيار فاصل، على أساسه نحكم إن كنتم فعلا مع الشعب في محنته أم جانبتم الجادّة والقول الرّشيد: هذا المعيار/ الحدّ الفاصل هو: ماذا قدّمتم لمليون معطّل عن العمل؟ ما مدى اطّلاعكم على أوضاع أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل في هذه الجائحة؟ صحيح أنّنا في مواجهة وباء عالمي، ولكن ألم تشعروا بالحرج وأنتم تكرّرون في حواركم “نحن في حرب” أكثر من عشر مرّات، والحال ان الحرب الحقيقيّة هي ضدّ الفقر والبطالة؟
الحرب تتطلّب قرارات شجاعة وجريئة واستثنائيّة، ماذا قدّمتم من ذلك؟ السيّد رئيس الحكومة، تقدّمنا على إثر خطابكم الأوّل منذ أسبوعين بلفت النّظر للمعطلين عن العمل، وبالنّظر للوضع الدّقيق الذي تمرّ به بلادنا كما سائر بلدان العالم حيث فُرِض الحجر الصحي على الجميع، بل وطالبنا الجميع بضرورة الالتزام به، قلنا أنّ هكذا ظرفية تستوجب الحدّ الأدنى للمعطلين وهي منحة بطالة.. وهذا ليس بالشّيئ الكبير، حتّى أن هذه المنحة تمنح في عديد الدّول في ظروف عاديّة، يتمتع بها المعطّل إلى حين حصوله على شغل لائق يحفظ كرامته، وهذا تسمّيه عديد التجارب الاجتماعيّة “عائد مواطنة”.. وقد لاقى هذا الطّلب استحسانا من قسم كبير من الرّأي العام. فهل هناك غشاوة على اسماعكم، أم “استكثرتم” على المعطّلين حتى هذه المنحة؟
السيّد رئيس الحكومة، كنتم في خطابكم على غاية من الهدوء، ربّما من حسن حظّك أنْ لا مشاكسات في أسئلة محاوريك، وقد كنت تستعرض إنجازات حكومتكم الموقّرة والابتسامة تعلو المحيّا… لماذا سقط هذا الهدوء عندما سُئِلتم عن شبهة فساد في “صفقة الكمامات” التي اعتبرها كل المتابعون أنّها فضيحة وتستوجب تحقيقا ومحاسبة المتورّطين فيها، بل أجبتم وبانفعال في غير محلّه: “احنا في حالة حرب باش نبقوا نتبعوا في الحكايات الفارغة”؟
فهمنا في ثنايا خطابكم، أن هذا الوقت هو للتضامن (نعم، لقد رأينا المجتمع المدني والمواطنون ينضّمون حملات المساعدة والتضامن، بينما يعربد اصحاب المؤسسات التشغيليّة ويبتزّون العمال من أجل العودة للإنتاج، ورأينا مالكي المصحات الخاصة كيف أنّهم يقايضون الأرواح بالأموال: إيواء مريض بالكورونا يتطلّب دفع بين 10 و20 ألف دينار… هكذا هو التضامن)
قلتم أنّ المرحلة القادمة ستكون فترة تضحية، (إيه صحيح، وقد رأينا من يضحّي، وهم دوما رأس الحربة.. لماذا لم تُجِب عن مسألة التهرّب الضريبي، أولئك الذين في عهدتهم وبذمّتهم آلاف المليارات من أموال الدّولة التونسيّة؟)..
المرحلة القادمة، ما بعد كورونا ستكون أصعب ممّا قبلها أو اثناءها، وستكون مرحلة تحمّل المسؤوليات.. والاكيد أنّ الفئات المفقرة والمهمشة، وخاصة المعطلين عن العمل، لم يعد لديهم ما يخسرون ولا بما يضحّون به..
* أمين عام اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل.
شارك رأيك