أثارت الأخبار المتداولة هذه الأيام، والتي تشير إلى اعتزام رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الزيادة في عدد مستشاريه، الزائد عن اللزوم أصلا، ردود فعل صاخبة في أوساط الشعب، و الأسباب المذكورة من طرف المعارضين معقولة جدا و مقبولة في مجملها خاصة و أن البلاد تمر بأزمة حادة.
بقلم : مصطفى عطية *
ردود الفعل كانت صاخبة لأن الأسماء المتداولة للإنضام إلى طاقم الإستشارة الحكومية مثيرة للجدل ومبعث تساؤلات وريبة، وخاصة منها جوهر بن مبارك، صاحب المواقف السياسية المتلونة حسب باروماتر صعود ونزول أصحاب النفوذ السياسي، وأسامة بن سالم، مؤسس قناة الزيتونة غير المرخص لها وذات التمويلات المجهولة والمشبوهة، وعماد الحمامي الذي تقلد سابقا وزارة الصحة وفشل فشلا ذريعا لعدم اختصاصه بٱعتباره فنيا في الكهرباء وصاحب شهادة في الشؤون الدينية تحصل عليها بعد حراك الرابع عشر من جانفي 2011.
ومما زاد في غليان الشارع أن هذه التعيينات جاءت لترضية حركة النهضة وتأمين مساندتها للحكومة وليس لكفاءة لدى المنتفعين بٱمتيازاتها السياسية والمالية الكبيرة، لأن المنطق السياسي يفرض عدم اللجوء إلى استشارة من تعلقت به شبهة خرق القانون ومن فشل في المهمات التي عهدت إليه سابقا !!!
أما الأدهى والأمر فيتمثل في الرتب اوالإمتيازات الوزارية العليا لهؤلاء المستشارين في الوقت الذي تعاني فيه ميزانية الدولة من صعوبات كبيرة مما جعل رئيس الحكومة يلجأ إلى الإقتطاع من مرتبات الموظفين وحتى من جرايات المتقاعدين العجز والمرضى، لمواجهة وباء كورونا وما تداعت عنه من أزمات إقتصادية واجتماعية خطيرة.
قيمة المسؤولين في قيمة مستشاريهم
يجب على إلياس الفخفاخ، وهو حديث العهد برئاسة الحكومة، أن يدرك جيدا أن قيمة مسؤول كبير على رأس منصب كالذي يتقلده، تتجلى عبر قيمة المستشارين الذين يحيطون به، وهو ما كان الرئيس الفرنسي الراحل، الجنرال ديغول، يذكر به وزراء حكوماته المتعاقبة طيلة ولايته الرئاسية : وتفيد سجلات التاريخ أن السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي إقتحم القسطنطينية ( إسطمبول حاليا) وضمها إلى بلاد الإسلام، كان حريصا شديد الحرص على عرض كل القرارات التي يعتزم إتخاذها على مستشاريه، ويناقشها معهم فردا فردا، ثم جماعيا، حتى قيل انه “كان ينفذ ولا يقرر”.
بهذا الأسلوب المرتكز على مبدإ الإستشارة في الحكم هزم الأمبراطورية البيزنطية وآستولى على عاصمتها القسطنطينية وأسر إمبراطورها عماناويل الثاني صاحب القولة الحاقدة، التي مازال الصليبيون يرددونها : “الإسلام دين عنف”. وعندما إغتر السلطان العثماني الآخر سليمان القانوني بنجاحاته الباهرة، تخلص من مستشاريه الأكفاء واحدا تلو الآخر، ثم انفرد بآتخاذ القرارات الحاسمة في السلم والحرب، فتحطمت جيوشه الجرارة على أسوار مدينة فيينا النمساوية، وكان عجزه عن اقتحامها بداية نهايته.
المستشارون لدى بورقيبة وبن علي
وفي تاريخنا الوطني المعاصر أكد العديد من وزراء الزعيم الحبيب بورقيبة، رحمه الله، ان هذا الأخير كان رجل حوار ويحسن جيدا الإستماع إلى وزرائه ومستشاريه في الفترة التي كان متمكنا خلالها بزمام الأمور وتحديدا منذ توليه الحكم وحتى سنة 1970، تاريخ بداية تدهور صحته.
هذا السلوك الإستشاري كان سر نجاحة في اتخاذ القرارات الصائبة، خلال مرحلة تأسيس الدولة المدنية الحديثة، وقد كان المرحوم زين العابدين بن علي، هو الآخر، حريصا على الإستئناس بآراء ذوي التجربة والمعرفة قبل أن يهزه تيار الإنفرادية ككل القادة العرب، وقد حدثني عالم الإجتماع المصري المعروف سعد الدين إبراهيم، في لقاء جمعنا بعاصمة النور باريس، عن تجربته مع الرئيس المصري المعزول حسني مبارك وكيف كان، في بداية عهده بالحكم، يلتقي به وبعض كبار المفكرين والأخصائيين لتدارس الأوضاع في البلاد، فيستمع إليهم بٱنتباه ولا ينبس ببنت شفة، ولكن بعد عدة أشهر أصبح هو المتكلم والبقية صامتين حتى تم إلغاء ذاك اللقاء !!!
أردت إستعراض هذه الأمثلة للتأكيد على أهمية الإستنجاد بأصحاب التجربة والكفاءة والإختصاص في تسيير شؤون البلاد، لأن لا حد مهما علا شأنه قادر على الإلمام بكل المشاكل وحلها بمفرده، والتنبيه إلى كارثية مآلات كل الذين إنفردوا بالرأي وهمشوا مستشاريهم أو أساؤوا إختيارهم، وأتمنى أن يستخلص إلياس الفخفاخ العبرة من هذه التجارب ويحسن اختيار مستشاريه بعيدا عن المحاباة والترضيات والمحاصصات إن كان يرنو إلى النجاح في مهمته وطمأنة الشعب والخروج بالبلاد من الأزمة الحادة التي تعيشها.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك