من يمثل الحركة الدستورية في تونس؟ ونعني بالحركة الدستورية مناضلي ومنخرطي و روافد وتعبيرات الحزب الحزب الحر الدستوري التونسي الذي تحول إلى الحزب الاشتراكي الدستوري ثم التجمع الدستوري الديمقراطي… أطرح هذا التساؤل لأنه من التحامل على التاريخ أن ينظر إلى “ظاهرة” عبير موسي كامتداد لهذه الحركة التي تعتبر الأقدم مع حزب الوفد المصري وحزب المؤتمر الهندي في دول العالم الثالث…
بقلم عبد الرزاق بن خليفة *
وهل فعلا عبير موسي وجماعتها في الحزب الدستوري الحر الممثل حايا في مجلس النواب تعبر عن الحركة الدستورية؟
في الحقيقة سؤالي إنكاري وليس استفساريا؟
فهذه الناشطة دخلت التجمع وبرزت صلبه في الهزيع الأخير منه وفي وقت همشت مؤسسات الدولة الحزب وأصبح الإنتماء اليه مجرد شهادة في عدم المعارضة أو لقضاء مأرب…
نقول هذا لأن الحركة الدستورية في تونس قامت على ثوابت تتناقض كليا مع الممارسة السياسية والخط السياسي للنائبة عبير موسي…
1/ الميزة الأساسية للحركة الدستورية التونسية التأقلم…
وهذا ثابت منذ موقف بورقيبة من دول المحور ومساندته للحلفاء رغم أنه كان انذاك سجينا لدى أهم قوة في الحلفاء فرنسا رغما عن تعاطف بقية قيادات الحزب مع المحور (ألمانيا واليابان… أساسا).
2/ المرحلية وظهرت عبر التفاوض من أجل الاستقلال الداخلي سنة 1955.
3/ دخول أول انتخابات في شكل جبهة قومية وليس باسم الحزب و ضمت أغلب الحساسيات السياسية والنقابية سنة 1957.
4/ انتهاجه سياسة ليبرالية في البداية سرعان ما اقتنعت قيادة الحزب انها خاطئة لغياب رأسمال وطني وانتقالها مرحليا الى التجربة الاشتراكية.
5/ تغيير النهج الاشتراكي إلى التعايش بين القطاعين العام والخاص…
6/ النهج الليبرالي ومجاراة الموجة العالمية العارمة للخوصصة والتحرر التي فرضها كل من ريغن وتاتشر على العالم بما في ذلك الصين… منذ الثمانينات وانطلقت مع حكومة رشيد صفر 1986…
7/ قبول الحزب الاشتراكي الدستوري مع مزالي بالتعددية السياسية سنة 1981 والتي أفرزت النخبة السياسية الحالية بكل مكوناتها يمينا ويسارا… وهذه خصلة يجب الإعتراف بها لتلك الحقيبة الصعبة (طرد التوانسة من ليبيا وعملية قفصة وأحداث الخبز)…
أين خط عبير موسي السياسي من كل هذا؟
1/ رفض لكل تعاط مع الواقع السياسي وتمترس وراء رفض طفولي أقرب إلى مواقف اليسار الراديكالي منه إلى أحزاب اليمين الليبرالي.
2/ اعتماد الأسلوب الفرجوي العنيف… في غياب أي خطاب سياسي حقيقي… أو أي مبارات إيجابية… سوى الهوس “بالإخوانجية”.
3/ التركيز على إفساد أي مظهر للدولة الجديدة… والعمل على تعطيل كل شيء.
هل هذه سياسة التأقلم وسياسة المراحل وسياسة الاعتدال… و الواقعية التي طبعت الفكر البورقيبي… والدستوري بشكل عام؟
هل يمكن لشخصيات دستورية مثل الهادي البكوش وحامد القروي وكمال مرجان ومحمد جغام ومنصر الروسي إلخ… أن تتماهى مع عبير موسي ؟
لا أريد أن اقارن بالمنجي سليم ومحمود الماطري و الباهي لدغم حتى لا يبدو الوضع سرياليا…
عبير موسي من شريحة تمثل الشباب الذي التحق بالتجمع في آخر عهده وبعد ان أفرغ من محتواه… وهي من الشباب الذين لم تتكون لديهم ثقافة سياسية مطلقا بل من الذين نشأوا ضمن جيل بن علي “اللا سياسي”… المفرغ ثقافيا والمشبع بكثير من العنف اللفظي (ظهر في الرياضة كحامل إجتماعي له) والمستهزئ بالثقافة والفكر والمتقمص لثقافة تدبير الراس… جيل بلها balha … (يا بلها عوضا عن حماة الحماة)…
كل ذلك بسبب التصحر السياسي الذي فرضه بن علي رغم تضحيات ومحاولات المثقفين… لكن الثقافة لا تنمو بدون ديمقراطية… وفاقد الشيء لا يعطيه…
ان الانقضاض على صورة بورقيبة كرمز لحزب موسي نراه استحواذا على ذاكرتنا واستغفالا لنا…
والسؤال الاخير… أين هم الدساترة الحقيقيون؟ لمَ لمْ نر أي منهم في حزب موسى؟
لِمَ يحيطُ بهذا الحزب أساسا وفي الغالب الا الصفوف الخلفية للدساترة ممن كان يعول عليهم في التعبئة والتصفيق فقط؟ أو بعض كارهي أحزاب ما بعد الثورة عملا بمقولة “ليس حبا في علي ولكن كرها في معاوية”؟
أعتقد ان البلاد في حاجة إلى عودة الروح للحركة الدستورية على أسس صحيحة ومن أبنائها الحقيقيين… المنكفئين على أنفسهم… وان يسترجعوا “الباتيندة” متاعهم… المستولى عليها…علما وان الحزب الدستوري الحقيقي هو أقدم حزب على الإطلاق في الوطن العربي إذا ما انطلقنا من تجربة على باش حامبة… وحركة تونس الفتاة في بداية القرن الماضي…
* ناشط سياسي.
شارك رأيك