انطلقت اليوم السبت 2 ماي 2020 منظومة المحاكمة عن بعد بالمحكمة الابتدائية بتونس وسجن المرناقية، وكانت للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية أمدت وزارة العدل برأيها حول السبل المثلى لحماية المعطيات الشخصية في اطار هذه العملية. و في ما يلي نص الرسالة التي بعث بها رئيس الهيئة شوقي قداس في الموضوع إلى وزيرة العدل ثريا الجريبي.
تونس في 21 أفريل 2020
من رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية
الى السيدة وزيرة العدل
الموضــــــــوع : جواب على طلب إبداء رأي.
المرجـــــــــع : مراسلتكم عدد ص1143/1 الواردة على الهيئة بتاريخ 21 أفريل 2020.
تحية طيبة وبعد،
حيث طلبتم في مراسلتكم المذكورة أعلاه من الهيئة، مدّكم برأيها حول مشروع إرساء منظومة للمحاكمة عن بعد، بالنسبة لقضايا الموقوفين، ومدى تطابق ذلك مع أحكام القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. وجوابا على ذلك تصدر الهيئة الرأي التالي :
- يعد بثّ صور الأشخاص عبر الوسائل الاتصالية المرئية بمختلف أنواعها، معالجة لمعطيات شخصية حساسة : فالمعطيات الشخصية كيفما عرّفها الفصل 4 من القانون الأساسي المذكور آنفا “هي كل البيانات مهما كان مصدرها أو شكلها والتي تجعل شخصا طبيعيا معرّفا أو قابلا للتعريف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”. وبهذا المعنى فإن تصوير أشخاص وبثّ صورهم عبر الفيديو أو أية وسيلة أخرى، يعتبر معالجة لمعطيات شخصية حساسة، إذ أن ذلك البث يمكّن مباشرة من التعرّف على الشخص من خاصياته البدنية، وكذلك على هويته عند النطق باسمه من قبل المحكمة .
- تقترح الهيئة في هذا الصدد، تطبيق القواعد المتعلقة بالمراقبة البصرية الواردة بالفصول من 69 إلى73 من القانون الأساسي، لتشابهها في عديد الأوجه مع متطلبات المحاكمة عن بعد، موضوع طلب الرأي. خاصة في ما يتعلق بمراقبة الأماكن التي تكتسي خصوصية، مثل الأماكن غير المفتوحة للعموم، و السجون إحداها .
فالمبدأ العام هو تحجير التصوير في هذه الأماكن أو إخضاعها للمراقبة البصرية، أو الحصول تبعا لذلك على تسجيلات فيديو للأشخاص المتواجدين بها، إلا فيما أجازه القانون. إذ تعد هذه العملية في مختلف جوانبها، معالجة لمعطيات حساسة. وفي هذه الحالات، فإنه لا يمكن القيام بهذه المعالجة الا بترخيص مسبق من قبل الهيئة، وذلك بالنظر إلى صبغة تلك المعطيات باعتبارها حساسة طبقا للتصنيف الذي خصّها به الفصل 69 من القانون الذي ينص أنه “… يخضع استعمال وسائل المراقبة البصرية إلى ترخيص مسبق من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية”.
إلا أنّ الفصل 53 من القانون قد أتى على جملة من الاستثناءات من شانها أن تحد من هذا التحجير، من ذلك مثلا، أن تتم المعالجة في إطار القيام بالتتبعات الجزائية وهوما يتطابق مع موضوع هذا المرسوم، إذ تبقى الغاية المنشودة من إصداره، هي ضمان مقومات المحاكمة العادلة باستعمال تقنيات اتصالية اقتضتها اكراهات جائحة الكورونا التي تعيشها تونس في هذه الفترة . - لقد أصدرت الهيئة في إطار السلطة الترتيبية التي يخولها لها الفصل 76من القانون، القرار عـــدد 5 بتاريخ 5 سبتمبر 2018 الذي يتعلق بضبط شروط وإجراءات تركيز وسائل المراقبة البصرية . وذلك سعيا منها لإتمام الفصول القانونية آنفة الذكر، وتوضيح مقتضياتها.
لقد نص الفصل11من القرار المذكور، في مقتضياته المخصّصة للفضاء السجني على ما يلي : “تركّز وسائل المراقبة البصرية بالسجون ومراكز الإيقاف عندما يكون ذلك ضروريا لتأمين تلك المؤسسات من ناحية، وحماية الأعوان والسجناء من ناحية أخرى. ويتم التركيز بالأماكن التالية:
ـــــ مآوي وسائل النقل.
ــــ الممرات المخصصة للزائرين.
ــــ الممرات المؤدية لكافة مداخل المباني السجنية ومراكز الإيقاف.
ــــ قاعات الإستقبال والإنتظار.
ــــ الساحات المخصصة لتجوال السجناء.
ــــ الفضاءات المخصصة للأشغال الحرفية أو للترفيه عن السجناء.
ــــ واجهات المباني السجنية ومراكز الإيقاف والفضاءات المحيطة بها مباشرة.
ويمكن بصفة استثنائية تركيز وسائل المراقبة البصرية مع الإقتصار على المشاهدة الحينية دون القيام بتسجيلات، بالنسبة إلى غرف عزل الموقوفين أو المساجين الذين تبدو عليهم أعراض أمراض عصبية أو نفسية، وفضاءات النوم والأماكن المخصصة لمقابلة الموقوفين أو السجناء لمحامييهم”.
وتأسيسا على ما سبق بيانه سواء بالفصول التي تضمنها قانون حماية المعطيات الشخصية في هذا المجال أو قرار الهيئة المومأ إليه، فإنه لا مانع من إجراء محاكمات عن بعد، باعتماد البث الحيني بعد تخصيص فضاء مهيئ بمواصفات يقع تحديدها للقيام بهذه العملية، يراعى فيه جملة من الشروط، كي يتم البث في إطار احترام الضمانات التي أوجبها هذا القانون، خاصة تلك المنصوص عليها بالفصل 9 منه والمتعلقة باحترام الذات البشرية والحقوق الأساسية للأشخاص.
وتؤكد الهيئة في هذا الخصوص، أن البثّ يجب أن يتم دون تسجيل لفيديوهات، أو الاحتفاظ بتسجيلات، لأن ذلك يشكّل مخالفة لقانون حماية المعطيات الشخصية. وعليه تقترح الهيئة أن يتضمن المرسوم تنصيصا صريحا على «أنه في صورة القيام بتسجيلات، فإنها تعد غير قانونية ولا يمكن اعتمادها في إطار محاكمة أخرى أو اثبات أية وقائع أخرى بالاستناد على ما ورد بأقوال المتهم الموقوف أو بمرافعات محاميه “. - لقد نص الفصل 14 من قانون حماية المعطيات الشخصية على ما يلي : “… يمكن معالجة المعطيات الشخصية (الحساسة) … إذا تمت بموافقة صريحة للمعني بالأمر بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا …” وعليه فإن معالجة المعطيات الشخصية الحساسة، الوارد ذكرها بهذا الفصل، لا تتم إلا بعد الحصول على الموافقة للشخص المعني بها.
غير أن الفصل 29 قد أورد استثناءات على شرط الموافقة في الصور التالية “لا تخضع لموافقة المعني بالأمر معالجة المعطيات الشخصية … إذا كانت معالجة المعطيات الشخصية يقتضيها القانون …”، وهو ما تمثله صورة الحال. اذ أن المرسوم المزمع إصداره، يتناول مجالا هو موضوع أحكام واضحة وصريحة صلب قانون الإجراءات الجزائية، تتعلق بكيفية إجراء المحاكمات الجزائية. وعليه فإنه لا يشترط الحصول على موافقة المتهم الموقوف للقيام بالتصوير والبثّ عن بعد لمجريات المحاكمة، طالما أن هذه العملية كانت تتم في إطار محاكمة تستجيب لضمانات إجرائية أقرّها نص قانوني سابق. - من جهة أخرى، تؤكد الهيئة على ضرورة التقيّد بما جاء بتوصياتها الصادرة بتاريخ 27 مارس 2020، والتي تضمّنت ما يلي : ” يعد اللجوء إلى هذه الخدمات والمنصات (الوسائل الرقمية مثل البريد الالكتروني، والاجتماعات عن بعد، أو المهاتفة عبر بروتوكول الإنترنت الأجنبية) غير صائب، باعتبار أن في ذلك مساس بالمعطيات الشخصية للأفراد، لافتقاد تلك الوسائل للحد المطلوب من الحماية. بل ويمكن أن تشكّل كذلك مساسا من السيادة الوطنية للدولة، من خلال إتاحة معطيات استراتيجية لمواطنيها لقوى أجنبية. وأنه يتعيّن اعتماد خدمات وطنية في هذا المجال، قامت بتطويرها هياكل وطنية عامة أو خاصة، والتي توفر ضمانات لاحترام المعطيات الشخصية عند معالجتها”.
وتبعا لما تقدم، فإنه يكون من الوجيه عند إعداد المرسوم التأكيد على العناصر التالية:
ــــ اعتبار أنّ بثّ الفيديو في إطار المحاكمة يعد معالجة لمعطيات حساسة.
ــــ لتحقيق الغاية من هذه المعالجة، الاكتفاء بالبث المباشر والحيني دون القيام بتسجيلات أو الاحتفاظ بها .
ــــ لا مجال لطلب موافقة الموقوف أو محاميه لاعتماد تقنية البث الحيني التي تقتضيها المحاكمة عن بعد، اذ أن هذه المعالجة لمعطياتهما الشخصية تتم بمقتضى القانون.
ــــ كما يجب التنصيص على تمتع الموقوف ومحاميه بحق الإعلام بأن مجريات المحاكمة عن بعد تقتضي اعتماد تقنية البث المباشر، وأن يتولى رئيس الجلسة القيام بذلك الإعلام.
وتقبلوا سيدتي الوزيرة فائق عبارات الاحترام والتقدير.
شارك رأيك