أطراف سياسية كثيرة أزعجتها عودة الدساترة إلى الساحة من جديد وأربكتها محاولات توحيد العائلة الدستورية، وفي مقدمة هذه الأطراف حركة النهضة وما يسمى بٱئتلاف الكرامة والأحزاب المتناسلة من رحم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والجبهة الشعبية وغيرها من التنظيمات “الثورجية” المندثرة أو التي شارفت على الإندثار. فيما تعتمل تحركات احتجاجية توحي ببداية تشكل “ثورة مضادة” تجمع خصوم الأمس وأصحاب المصلحة في تغيير الوضع البائس الذي وصلت إليه تونس بعد تسع سنوات من سقوط نظام بن علي.
بقلم مصطفى عطية
يغفل “الثورجيون” الذين غمروا الساحة بضجيجهم الذي لا يهدأ، طيلة ما يقرب عن عشر سنوات، عن حقيقة ساطعة مفادها أن جنوحهم إلى إستقطاب الإنتهازيين و”قلابي الفيستة” والعائدين من أنفاق الماضي الملوث بدنس ممارساتهم الوضيعة، يساهم في تشكيل النواة الأولى للثورة المضادة، كما حدث في الكثير من الأمكنة والأزمنة، وخاصة في ألمانيا وإيطاليا مع بداية سنة 1848 عندما تحالف الثوار مع أصحاب الأجندات الإنتهازية والمصلحية الإنتفاعية لمواجهة الجماهير الشعبية المحبطة والمصابة بخيبة أمل.
لا شك أن كل ثورة معرضة لثورة مضادة هدفها استباق الأحداث وصيانة المصالح والمكاسب على حساب الشعارات والقيم التي أغرت الشعب ورفعت من سقف أحلامه وطموحاته.
من هذا المنظور يعتبر التوظيف الممنهج لرموز النظام السابق الذين تنكروا لماضيهم وٱرتموا في أحضان من كانوا بالأمس القريب خصومهم، مظهرا من مظاهر الثورة المضادة بتآمر مفضوح ممن ينسبون أنفسهم إلى ما يسمى بالثورة، وهم الذين ينطبق عليهم وصف رجيس ديبريه “خونة المستقبل”.
إن وقائع الثورات عبر التاريخ مليئة بالعبر التي يجهلها الثورجيون الجدد ويعجزون عن إستيعابها والإستفادة منها.
محاولات الإستقطاب المشبوهة
في هذا الإطار تحديدا تتنزل محاولات استقطاب العديد من المسؤولين التجمعيين السابقين من قبل بعض الأطراف السياسية النافذة، وٱستغلال مواقفهم وتصريحاتهم “الإنقلابية” على ماضيهم وٱنتمائهم للحزب والنظام السابقين، وقد شجعت هذه المحاولات المعنيين بالأمر على الهروب إلى الأمام وتكثيف التصريحات الإستفزازية والمزايدة على “الثورجيين” أنفسهم، فبعد تصريحاتهم التي إعتذروا فيها للإسلاميين عن “الظلم” الذي قالوا أنه لحقهم في العهد السابق، وتأكيدهم على وجود تقارب بين الدساترة والنهضويين، ثم إعترافهم بتدليس الحزب والنظام للإنتخابات، أصبحوا، أخيرا، منظرين للفكر الثوري الإصلاحي ويروجون لمقارباتهم هذه في وسائل الإعلام المحسوبة على الإسلاميين التي فتحت لهم أحضانها.
أثارت هذه التصريحات والمواقف ردود فعل عنيفة جدا من الأغلبية الساحقة من الدساترة والبورقيبيين والتجمعيين، وصلت إلى حد إصدار الكثير من الدساترة عدة بيانات شديد اللهجة تستنكر هذه التصريحات التى تصدر بٱسمهم دون أن يكلف أصحابها أحد بذلك، وأكدت هذه البيانات أن تلك التصريحات لا علاقة لها بالموقف المبدئي للدستوريين والبورقيبيين الرافض للتحالف مع الإسلاميين وحتى الإعتراف بهم أصلا.
صناع بروباغندا التزييف والتشويه
ما زال الكثير من الذين اخترقوا التجمع الدستوري الديمقراطي خلال السنوات القليلة السابقة لحله مصرين حتى الآن على التمسك بصفتهم “التجمعية” التي اكتسبوها بالولاء لذوي النفوذ في العهد السابق، وذلك لٱستغلالها في ركوب سروج التشويه المتعمد للعهدين الماضيين والتقرب الإنبطاحي للإسلاميين و”الثورجيين”، وقد ذهب البعض إلى اعتبار هذه الممارسات الإنتهازية “مؤامرة” متفق عليها بين بعض التجمعيين القدامى والأطراف التي أزعجتها عودة الدساترة إلى الساحة من جديد وأربكتها محاولات توحيد العائلة الدستورية، وفي مقدمتها حركة النهضة وما يسمى بٱئتلاف الكرامة والأحزاب المتناسلة من رحم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والجبهة الشعبية وغيرها من التنظيمات “الثورجية” المندثرة أو التي شارفت على الإندثار.
ويلعب هؤلاء “التجمعيون المزيفون” دور المغذي للبروباغاندا المشوهة للدساترة ونضالهم وإنجازاتهم في بناء الدولة الحديثة بعد أن أصبح الخوف من الدساترة الحقيقيين وعودتهم هاجسا مسيطرا على جانب هام من الساحة السياسية حتى في صلب بعض الأحزاب التي يتباهى قادتها بتبنيهم للمرجعية الدستورية والبورقيبية، ويعمل البعض على تذكية هذا الهاجس وإضرام لهيبه بشكل إستفزازي للتموقع في الساحة، وهو ما يوحي ببداية تشكل “ثورة مضادة” تجمع خصوم الأمس وأصحاب المصالح.
صحفي و كاتب.
شارك رأيك