مسألة أحقية سكان جربة بأن يطالبوا لجزيرتهم برتبة ولاية على مستوى التقسيم الإداري للبلاد التونسية تطرح بصوت خافت منذ السبعينات من القرن الفائت و لعل الأوان قد حال لطرحها بجدية وموضوعية ومسؤولية وطنية.
بقلم صبري صابر *
بعد اندلاع الثورة التونسية في جانفي 2011 شهدت البلاد جملة من التحولات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية أفضت الى إرساء منظومة جديدة للحكم تعطي للجهات وللمواطنين الحق في إدارة شؤونهم بكل ديمقراطية وتقطع مع المركزية الشديدة التي طبعت الحياة السياسية طيلة عقود من الزمن والتي لم يكن فيها للمواطن أي دور فاعل في الحياة العامة. ولعل من أبرز القضايا المطروحة اليوم هي مسالة الحكم المحلي في اطار منظومة “اللامركزية” بمختلف أشكالها، ومن بين أهم الملفات المثيرة للجدل هو ملف “جربة ولاية”. وهو موضوع كان ممنوعٌ الحديث فيه أو الإشارة إليه ونحن نعتقد أنه من حقنا كتونسيين أصيلي هذه الجزيرة ممارسة مواطنتنا بحرية والخوض فيه بعيدا عن الجهويات المقيتة وفي إطار وحدة الدولة والوطن.
رفع الغبن والظلم على متساكني الجزيرة
في الآونة الأخيرة، ومنذ تفشي الجائحة الوبائية التي نفضت الغبار علي عديد المشاكل، بات لا يخفي على أحد أن هذا المطلب فرض نفسه لأننا نرى أن الخوض فيه من شأنه أن يرفع عن متساكني الجزيرة غبنا وظلما كبيرا بحكم حالة العجز التي وجدت فيها السلطة نفسها أمام عدم قدرتها على الايفاء بواجبها تجاه جزء من السكان لافتقاد جربة لعديد المرافق والخدمات. لكل هذه الاسباب يملك سكان جزيرة جربة أحقية المطالبة بولاية.
بداية وجب التمعن جليا في هذا المطلب وتناوله من زاوية موضوعية. لطالما نادى متساكني الجزيرة تاريخيا بأحقيتهم في الارتقاء إداريا إلى مستوى ولاية. إذا ما تمعنا وألقينا نظرة علي تاريخ التقسيم المجالي في تونس منذ عهد البايات لوجدنا أنه كان تقسيما قبليا يعتمد علي “العروشية” أي علي القبائل وعلى هذا الأساس تم تقسيم البلاد التونسية إلي مجموعة من “الڨيادات” و “الڨيادة” مصطلح يُرادف مصطلح “الولاية” اليوم.
كانت البلاد التونسية مقسمة إلي 84 قيادة مستقلة بذاتها بمعني أنها كانت ولاية مستقلة في ذاك الزمان. بعد الاستقلال سنة 1956 واستئناف مشروع بناء الدولة الوطنية وتحديث المجتمع جاءت فكرة إعادة التقسيم الإقليمي وإرساء الولايات ضمن دعم مدنية الدولة وتعصيرها و بهدف تقريب الخدمات العمومية للمواطن. في إطار هذه التحولات لم تظفر جزيرة جربة بولاية مستقلة و أدرجت مع ولاية مدنين. منذ ذاك الوقت بدأ سكان الجزيرة يطالبون بالإنصاف كباقي الجهات ذات الخصوصية.
الكثافة السكانية لجربة تؤهلها لأن تصبح بدرجة ولاية
بما ان التاريخ مرتبط بالجغرافيا ارتباطا وثيقا لا بد من التمعن في هذه المسألة من زاوية جغرافية وهنا يكمن مربط الفرس، حيث تعتبر هي العامل الرئيسي والدافع المُلحّ لهذا المطلب. ربما كان المفكر المصري جمال حمدان محقا حينما قال: “لا ثقافة بلا جغرافيا… لا سياسة بلا جغرافيا… لا تاريخ بلا جغرافيا… لا عمران بلا جغرافيا… لا اقتصاد بلا جغرافيا”.
تعد جزيرة جربة أكبر جزر شمال افريقيا بمساحة تقدر ب 514 كلم يسكنها قرابة 163000 ألف ساكن (حسب تعداد 2014)، كثافة سكانية تُعد الأكبر مقارنة ببعض الولايات ومع ذلك يبقى التساؤل قائما في معقولية أن تبقى كثافة سكانية كهذه دون استقلال إداري.
إلي حد هذه اللحظة جميع متساكني الجزيرة مضطرون في كل مرة الي القيام برحلة بحرية او برية لقضاء شؤونهم الإدارية وغيرها في ولاية مدنين. رحلة برية تقدر ب 90 كلم عبر الطريق الرومانية وصولا الي الولاية او بحرية عبر البطاح بتعطيلات في الصف او ندرة للبطاحات. فهل من العدل و الإنصاف ان يُقضي مواطن بسيط يوما كاملا ومصاريف رحلة تشمل الذهاب والإياب لأجل وثيقة يتطلب استخراجها بضع دقائق؟
مع افتقاد الجزيرة لمحكمة ابتدائية، ومحكمة عقارية وإدارة للملكية العقارية… والمندوبيات و الادارات الجهوية هل من العدل والإنصاف أن ينفق المواطن مصاريفا تفوق القدرة لأجل مجرد وثيقة عادية؟ هل من العدل أن يتكبد ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين شقاء التنقل؟
لئن كان الدافع الجغرافي من أبرز الأسباب التي تعطي الاحقية لسكان الجزيرة فهذا لا ينفي مساندة القانون لهذا المطلب، إذ بالعودة الي مجلة الجماعات المحلية نجد دعمها و تكريسها لمبدأ “اللامركزية”. وأحقية بعض المجالات كالجزر في خلق منظومة جديدة للحكم المحلي.
مسألة التقسيم الإداري ليست مسألة عبثية و يجب أن تأسس و يشرف عليها الخبراء وأهل الاختصاص وهذا ما أكده الدكتور مراد بن جلول الأستاذ المحاضر بجامعة تونس والوالي السابق لمدنين في حواره على جوهرة ف م مع الصحفي زهير الجيس: “إن كل تقسيم إداري يجب أن يخضع إلى مقاييس تقنية واعتبارات اقتصادية واجتماعية وهو في النهاية قرار سياسي تتخذه السلطة السياسية تجسيما لمبدأ الإنصاف الترابي وتحقيقا للعدالة بين سكان المنطقة الواحدة”.
وإذا أخذنا في الاعتبار كل هذه المعطيات تصبح مسالة أحقية جربة كاملة في المطالبة برتبة ولاية. وأُنهي بمقولة لمصطفي محمود: “إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق فبالحق نعيش و ليس بالخبز فقط”.
* طالب جغرافيا بجامعة تونس.
شارك رأيك