إن تعيين مهدي بن غربية، بكل ما يجره وراءه من سلبيات و يثيره من زوابع كلامية، في خطة مستشار لدى رئيس الحكومة، سوف يزيد من متاعب إلياس الفخفاخ ويفجر الكثير من المشاكل حوله، والرجل في غنى عنها، فهو يعوم في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
بقلم : مصطفى عطية
يتواتر الحديث بسرعة وكثافة، هذه الأيام، حول إمكانية إلتحاق المهدي بن غربية بطاقم مستشاري رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في إطار نصيب حزب تحيا تونس من المستشارين بٱعتباره أحد مكونات التحالف الداعم للحكومة في مجلس نواب الشعب. ويعتبر هذا النوع من المحاصصة بدعة تونسية لا سابق لها في الديمقراطيات التقليدية والناشئة، القوية والهشة على حد سواء!
من التنظيم المحظور إلى العائلة المهيمنة
إن كانت الأخبار التي تم تسريبها حول تعيين أسامة بن سالم وعماد الحمامي وجوهر مبارك زوابع إعلامية وسياسية وشعبية مربكة لإلياس الفخفاخ وحكومته، فإن خبر تعيين المهدي بن غربية زاد الناس اقتناعا بأن السيل قد بلغ الزبى وبلغت القلوب الحناجر، كما يقول المثل العربي الشائع.
المهدي بن غربية كان أكثر وزراء الحكومة السابقة برئاسة يوسف الشاهد إثارة للجدل في كل الأوساط دون استثناء، إذ حط الرجل راحلته، بعد حراك الرابع عشر من جانفي 2011، في واجهة المشهد السياسي الناشئ من رحم الفوضى والإنفلات، وليس في رصيده سوى بضعة سنوات سجنا بسبب تهمة الإنتماء إلى تنظيم محظور، سرعان ما اضمحل “بريقها” تحت أثقال سنوات تقربه من اللوبيات العائلية النافذة في العهد السابق، والتي بوأته مكانة تفاضلية في سلم رجال أعمال “الديكتاتورية” وأثريائها.
وكما بعض الوزراء المقربين جدا ليوسف الشاهد، لا يملك المهدي بن غربية شهادات جامعية أو كفاءات تسييرية ليتبوأ كرسي الوزارة، بٱستثناء تجربة عرضية من ثلاث سنوات كنائب في المجلس الوطني التأسيسي! ولكنه كشف، مع مرور الأيام، عن مواهب أخرى جعلته ينال ثقة يوسف الشاهد ودعمه المتواصل.
تهم خطيرة ومعارك صاخبة
يعشق المهدي بن غربية الظهور الإعلامي ويسعى إليه بكل الطرق والأساليب المتاحة، فهو يكاد يكون موجودا يوميا في المحطات الإذاعية والفضائيات التلفزية ليجيب عن الأسئلة في المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والرياضية وحتى الدينية والفقهية، ولم ينس التونسيون أنه كان أول من “أفتى” في مسألة المساواة بين المرأة والرجل في ما يتعلق بالإرث طبقا لمرجعيته الفكرية الأصلية الموغلة في السلفية، والتي إدعى أنه تركها نهائيا.
لكن الأهم من كل هذا هو أنه موجود في أغلب الزوابع التي تثار في البلاد فقد إتهمه رئيس حزب سياسي مشارك في حكومة ما سمي وقتها ب”الوحدة الوطنية” (ياسين إبراهيم الرئيس السابق لحزب آفاق تونس) بشبهة فساد مما تسبب في تراشق بالتهم بينهما تواصل على امتداد أشهر عديدة وفتح الأبواب على مصراعيها أمام أطراف أخرى لتدلي بدلائها في هذا المجال الذي يهز مشاعر التونسيين ويقض مضاجعهم في ظل كذبة “حرب الشاهد على الفساد”!
ثم جاء إتهامه بالعودة إلى أحضان حركة النهضة، التي كان من ناشطيها و”ضحاياها” في فترة شبابه، بعد المعلومات الخطيرة التي راجت حول طريقة تصرفه في المنحة الفرنسية الخاصة بالتكوين في مجال حقوق الإنسان والتي تعمد وضعها على ذمة جمعية محسوبة على حركة النهضة ومرتبطة بها، وهو ما أثار ردود فعل سياسية وحزبية وجمعياتية وشعبية صاخبة وتسبب في لجوء السفارة الفرنسية إلى توضيح الأمر من وجهة نظرها الرسمية.
متاعب إضافية للفخفاخ وحكومته
عديدة هي المشاكل التي يدور المهدي بن غربية في فلكها، ولكنه لم يتزحزح قيد أنملة عن موقعه في حكومة يوسف الشاهد حتى ذهب التأويل بالبعض إلى الإيغال في متاهات الخيال المجنح، وما أوسع خيال التونسيين عندما يتعلق الأمر بالسياسة والسياسيين !
لكن الثابت هو أنه مدعوم بقوة من أطراف داخلية وربما أخرى خارجية، فبقطع النظر عن الدعم الذي كان يحظى به من لدن رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، نظرا للصداقة التي ربطت بينهما منذ كانا في الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أسسه أحمد نجيب الشابي وتحول إلى الحزب الجمهوري، والدعم السخي والمتواصل لحركة النهضة بٱعتباره من “أبنائها” الذين “ضلوا” طريقهم، بعد الرابع عشر من جانفي2011، إلى أحزاب أخرى لكنهم بقوا أوفياء للحزب الأم، فإنه يتمتع أيضا بدعم بعض الجمعيات ولوبيات الظل بالداخل والخارج وأغلبها ذات مرجعيات “حقوقية” ذات خصوصيات معينة ومحددة، حتى لا نقول فئوية، وهو دعم لا يستهان به في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد وٱختلاط الحابل بالنابل وتداخل المحلي بالخارجي وتعدد الأجندات وغيرها من المعطيات والمستجدات التي صعب فرزها بالكيفية الموضوعية اللازمة.
إن “قوة” المهدي بن غربية تكمن أساسا في عدم تحرجه مما يثار حوله مهما كانت خطورته، وهو مستعد دوما لرد الصاع صاعين، كما حدث بالخصوص في “معركته” مع الرئيس السابق لحزب آفاق تونس، والتي كانت مشحونة بتبادل الإتهامات الخطيرة، كما أنه قادر في كل لحظة على التواجد في هذا البلاتوه الإذاعي والتلفزي أو ذاك حتى وإن كان سيقول كلاما لا معنى له ! المهم بالنسبة إليه هو تأكيد حضوره على الساحة وفرض نفسه على خصومه! وهو أسلوب الكثير من ساسة هذا الزمن الذي فقد فيه العمل السياسي أدبياته الأصلية.
إن تعيين مهدي بن غربية، بكل ما يجره وراءه من سلبيات، مستشارا لدى رئيس الحكومة، سوف يزيد من متاعب الفخفاخ ويفجر الكثير من المشاكل حوله.
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك