استفاق الشعب التونسي، صبيحة يوم 14 ماي 2020، على خبر إصدار السيد وزير المالية، بالتنسيق مع السيد وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، لواحد وعشرون قرارا (21)، يقضي بإحالة ضباط سامين من سلك الديوانة على التقاعد الوجوبي.
بقلم وليد البلطي *
أخذ هذا القرار عملا بأحكام القانون عدد 6 لسنة 1990 والمنقح للقانون عدد 12 لسنة 1985 مؤرخ في 5 مارس 1985، يتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي، و قد كان ذلك حسب التصريحات الحكومية في اطار عقوبة على خلفية شبهات فساد في السلك المذكور.
وبعيدا عن تعداد مزايا التقاعد الوجوبي، ومنها، على سبيل المثل لا للحصر، سنوات التنفيل المعتمدة في تقنيات تصفية هذا الصنف من الجرايات، علاوة على الانتفاع الفوري بجراية التقاعد الوجوبي، فإنه لجدير بالذكر أن حكومة “الترويكا” (جانفي 2012-جانفي 2014)، ممثلة في وزارات العدل و الداخلية و المالية، كانت قد استصدرت قرارات في الإحالة على التقاعد الوجوبي في حق عديد من الأمنيين و إطارات و أعوان الديوانة والسجون والإصلاح، لكن تم إلغاؤها من قبل المحكمة الإدارية، على إثر تقدم المشمولين بهذه القرارات بدعاوي تجاوز سلطة، انتهت بقبول دعاويهم شكلا وفي الأصل بإلغاء قرارات التقاعد الوجوبي، على غرار الأحكام الصادرة في القضية عدد 123114 بتاريخ 2012/07/11 و القضية 123092 بتاريخ 2012/12/31 و القضية عدد 123114 بتاريخ 24 افريل 2012 و القضية 123114 بتاريخ 24 افريل 2012، وذلك على خلفية الانحراف بالسلطة وخرق الإجراءات الجوهرية، منها انتهاك حق الدفاع وحرمان المعنيين من حق الاطلاع ومناقشة القرائن والأسباب التي أدت الى اتخاذ القرارات في شأنهم في إطار مجالس الشرف المنصوص عليها بجميع قوانين الأنظمة الأساسية للأسلاك المذكورة.
حكومة الفخفاخ تجاهلت فقه القضاء الاداري
و بعيدا عن مناقشة صيغة الإحالة على التقاعد الوجوبي، التي قانونا تكون بموجب أوامر ترتيبية و لا بقرارات إدارية، فلقد تجاهلت حكومة الفخفاخ، فقه القضاء الاداري في المجال المذكور، وأعادت إنتاج الخطأ الإجرائي والقانوني، الذي كلف حكومة “الترويكا” إجهاض العملية برمتها، بعد ان تم إلغاء جميع القرارات من قبل المحكمة الإدارية و إرجاع المشمولين بها إلى عملهم.
فقد أغشى الاندفاع العشوائي و نقص الحرفية والجهل بنواميس الإدارة بصيرة الحكومة، وكان بذلك الوقوع في أحضان الخطأ القاتل، بحيث كان على الحكومة التونسية بفرسانها التي لا يشق لها غبار في محاربة الفساد، بعد تحوزها بقرائن غير قابلة للدحض و ذات صلة بالفساد الديواني، إن وجدت ولا بروايات القيل و القال، القيام بما يلي:
– إجراء بحث إداري مدقق في كل ما ينسب للضباط على حدة طبقا لأحكام الفصل 52 من القانون عدد 46 لسنة 1995،
– عرض الملفات على أنظار مجلس الشرف و تمكينهم من حق الإطلاع على ملفاتهم و الحجج و حق الدفاع على أنفسهم طبقا للفصل 54 من القانون عدد 46 لسنة 1995،
– اتخاذ عقوبة تأديبية درجة أولى أو درجة ثانية، في كل ضابط ثبت تورطه في الفساد ( التقاعد الوجوبي غير مذكور ضمن أصناف العقوبات)،
– إحالة ملفات المعنيين على أنظار القضاء العسكري أو محاكم الحق العام حسب الوضعيات المنصوص عليه بالفصلين 23 و 24 من القانون عدد 46 لسنة 1995 وذلك في إطار عدم الإفلات من العقاب الجزائي.
وفي النهاية، من المرجح أن تلغي المحكمة الادارية كل القرارات التي شملت الاطارات الديوانية، بحيث يكون عدم اعتماد الحكومة للإجراءات المنصوص عليها انفا وتجاهل أحكام الفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية، تكريسا لمبدأ الافلات من المسائلة الجزائية، مما يجعلها مسؤولة أمام الشعب والبرلمان، فهل من مصدر حكومي من فيلق الفرسان، قادر و مقتدر، في الرد على مضمون المقال، ام هو الصمت بعد ان تمت إماطة اللثام؟
* خبير قانوني.
شارك رأيك