في تدوينة نشرها المحامي و القاضي الاداري و كاتب الدولة السابق في حكومة مهدي جمعة اليوم الثلاثاء 19 ماي، تحدث عبد الرزاق بن خليفة حول أهمية التعامل مع المالية الإسلامية كشكل استثمار اقتصادي يجذب فئة معينة من المستثمرين، وحول تسبب منعها في “ازدهار المالية الموازية” خارج المسالك القانونية تحت مسميات مختلفة.
وكتب في تدوينته:
” المالية الإسلامية…الزكاة… الهوس الايديولوجي و التوظيف السياسي…
بعيدا عن موضوع بلدية الكرم التي تدخلت في شأن عام ليس من صلاحياتها…. و بخصوص المالية الإسلامية و الزكاة بشكل عام لطالما تساءلت عن انتشار المالية الإسلامية و صناديق الزكاة في بريطانيا وأمريكا و أيرلندا وألمانيا…وتدافع أسواق المال الأوروبية نحو جذب المنتجات المالية الإسلامية إلى السوق الأوروبية…
فرغم السياسات الحذرة التي توختها هذه البلدان تجاه تمويل الإرهاب ونجاحها في ذلك إلى حد بعيد.. إلا أن هذا الموضوع لا يناقش بنفس الأسلوب و المنهج كما الحال عندنا…
أشهر التقارير حول الموضوع تقرير مؤسسة Ernest & young لسنة 2014 حول المالية الإسلامية في أوربا وسرعة انتشارها بعد الأزمة المالية لسنة 2008 لتبلغ حوالي ملياري دولار سنة 2013…وتكاد تصل الضعف حاليا…
أكثر من 20 بنك انقليزي يروج منتجات مالية إسلامية منهم 6 بنوك 100٪ إسلامية…
انقلترا مرتبة ال8 عالميا في حجم تداول المنتجات المالية الإسلامية…وانشأت البنك البريطاني الإسلامي منذ 2004 IBB…
10 صناديق زكاة كبرى في أمريكا تشتغل تحت قانون الجمعيات…
لكن… ما سر وسبب التناول السجالي السياسي للمالية الإسلامية لدينا؟
وهل المنع هو الحل؟
ولم رفض احد نواب مجلس الشعب من الإسلاميين المتشددين عن حزب الرحمة التصويت لفائدة صندوق الزكاة؟
الموضوع لا يجب مقاربته في سياق التجاذب السياسي و الايديولوجي الذي يشق البلد.. والا كان مصيره كمصير ملفات أخرى ضاع بشأنها العقل والمنطق كموضوع العلاقة مع تركيا وقطر وفرنسا و الملف الليبي.. وغيرها.. ..
المنع… فتح مجالا أمام ازدهار المالية الموازية والعمل “الخيري” خارج المسالك القانونية تحت مسميات مختلفة… تماما كانتشار الاقتصاد الموازي بسبب جمود و َفساد منظومة الاستثمار…
حجم الأموال المتداولة تحت يافطة “إسلامي” أو في علاقة بنشاط المنظمات ذات المرجعية الدينية الاسلامية بلغ ارقاما خيالية… وهو حالة من حالات الاقتصاد الموازي…
ما اهتدت اليه البلدان الأوروبية هو احتواء هذه السيولة المالية المتدفقة “خارج السرب” وبمنأى عن يد القانون.. ولكن أيضا بعد تحليل ماهية المالية الإسلامية والتي تعني بلغة الاقتصاديين الاوروبيين “الاقتصاد الحقيقي أو المادي économie réelle اي استثمارات مالية تدر ارباحا في مشاريع خارج مضاربات الاقتصاد المالي والتوريق titrisation…أي في مشاريع عينية…باعتبارها ترفض الربا…
والاقتصاد الحقيقي لا يختص به الإسلام…فجوهر الاقتصاد يبقى الاقتصاد الحقيقي المتاتي من أنشطة فعلية وليست مالية فقط.
على أن ما تختص به المالية الإسلامية هو عدم الاستثمار في الكحول والقمار…لاعتبارات دينية…
الدول الأوروبية لم تحفل لعبارة “إسلامي” بل لكون الأمر فرصة لجذب محافظ مالية كبرى من العالم الاسلامي سواء منتجات مالية أو حتى صناديق زكاة (باعتبار ان اغلب صناديق الزكاة الخليجي تخصص جزءا من اموالها للاستثمار لتنمية مواردها الذاتية)..بما يخرج النقاش عن مسألة مدنية الدولة..
بل ان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE صنفت صناديق الزكاة على أنها صناديق استئمانية trust funds واخضعتها للقواعد المالية والضريبية الصارمة بشأن منع غسيل الأموال وشفافية المعلومات الاقتصادية… في نطاق مسار يعرف ب Beps ( base erosion profit shicting)
. بعبارة أخرى..
كيف السبيل إلى التعامل مع المالية الإسلامية كشكل استثمار اقتصادي يجذب فئة معينة من المستثمرين..وكحجم أموال ضخمة… يعيش جزء منها في الظلام وخارج المسالك العادية.. في إطار رؤية متحررة من ضغط الايديولوجيا…؟
هل نفضل تدفق تلك الأموال إلى البنوك و الصناديق المنظمة بقوانين َتحت رقابة الهيئات العمومية المختصة ام نتركها تتدفق نحو تلك الصناديق المعدنية المصفحة التي تباع على قارعة الطريق في السوق الموازية لاصحاب الهاءات الثلاث (تهريب تهرب إرهاب)…
أيهما أفضل للدولة.. النفاذ إلى تلك الأموال الشريدة الطائشة بيد أشباح لا نراهم..ووضعها تحت رقابة البنك المركزي ودائرة المحاسبات ولجنة التحاليل المالية أم مواصلة التجاهل والجهل حيالها؟
هل فهمتم لم لم يصادق حزب الرحمة على صندوق الزكاة…؟ اعتقد انه يخشى الضوء…وفهم ان وضع المنع أفضل…
لكل داء دواء يستطب به
الا الحماقة اعيت من يداويها
(المتنبي) “
شارك رأيك