يا قيس رويدك فقد قسوت على رؤساء العرب، ويا تونس هنيئا لك “برشا برشا” فالله كان أرحم بك من أن يجمع عليك مصيبتين: وباء كورونا وكوفيدها (Covid-19)، وحَـجَّاجٌ يقول: إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.
بقلم ذ.عبد الكريم الفصال *
في زمن كورونا الوباء، وفي شمال إفريقيا ، تُزهر دولة تونس الخضراء، ويُبعث قيسها ذو الناصية البيضاء، والبذلة السوداء؛ يتفقد الطير والإنس والنبات والحيوان، لعله يرى هدهدا من الغائبين، أو عجوزا من الغابرين، أو فقيرا من الغارقين، أو بغلا من العاثرين حتى لو كان في القيروان مخافة أن يُسأل عنه قيس لِـم لَـم يُـعَبدْ له الطريق؟
وفي عز الداء، وفي ذل العدوى، يتجول قيس بعربيته الفصحى، بَـدَل عربيته (سيارته بلهجة أشقائنا المصريين) الفاخرة ذات السرعة القصوى، مرتديا كمامته الزرقاء، متجولا بين المدينة والقرية والبيداء، لا فرق عنده بين شعبان ورمضان، ولا بين شبعان وجوعان.
يراه الناس كل يوم في التلفاز، يصطف مع المواطن عند الخباز، ويخيط ثوبه مع الجار عند الخراز.
وفي بلاد رؤساء العرب، لا يشاهَـدُ في تلفازهم إلا الكذب والطرب، ويصطف الخبازون في سجون الأفران ذات اللهب، ويُجلد الخياطون عندهم بحبال فقر الإبر ذات الثقب.
رويدك يا قيس فقد قسوت على الرؤساء الحَجَر، مالَـكَ تقض مضاجعهم في القصور ذات البروج والغجَر، بينما شعوبهم تصيح من الضجر، تتلظى جوعا كأنها في سقر.
في كل يوم يخرج سعيد سعيدا يمشي بين التونسيين العرب والعجم، متجردا من فخامة الموكب والحشم، يجلس مع الفُـوقة والسُّوقة والخدم، يأكل الخبز والعدس واللحم، كما كانت أمه تأكل القديد والشحم، يحمل الـكَـلَّ ويصل الرحم، ويقري الضيف ويكسب المُـعـدَم، ويعين على نوائب الحق ويزيل الألم والهم، وينفس الكُـرَب والغم.
وحتى لا تقول امرأة تونسية متعففة ذات صبية جائعة؛ تولَّـى قيس أمْرَنا ثم غفل عنا فلينتظر يوم القارعة؛ انطلق مهرولا يحمل على كتفه علبا كرطونية بدقيقها وبقلها وفومها وعدسها وبصلها وقثائها الرائعة؛ فإن لم يحملها هو فمن يحمل عليه وزره يوم تقع الواقعة؟
إنه قيس بهي الطلعة، نقي السمعة، كثير الدمعة، كريم القصعة، قاحل الصلعة، خصب القلب والصنعة…
هو زَيْن العاهدين، لا يخون عهده ولا يسرق شعبه، ولا يبيع بلده، ولا يكون من الناهبين الهاربين.
مُـعَـمَّرٌ بالخير يقذفه دارا دارا، بيتا بيتا، شبرا شبرا، زنقة زنقة؛ ليكرم شعبا يراه إنسانا وليس جرذانا.
سعيدٌ مباركٌ لا يسخر جَمَله ولا فِـيله لهدم ميادين التحرير على رؤوس الساجدين، ولا يرسل طيره وذبابه الأبابيل ترمي المعارضين بحجارة من سجيل، ولا ينقلب على الشرعية انقلابَ العميل.
رئيسٌ أسدٌ، لا يقامر على وطنه مع أي أحد، ولا يقصف البشر والشجر والحجر ويستبيح البلد، ولا يفرق بين الأم والولد، ولا بين الحفيد والجد، ولا يتفرعن ويطغى إلى الأبد.
تونسي صالح، عَـلِيَّ اليُـمْنِ والبركات، لايباع ولا يشترى في سوق نخاسة أي خليج أو إمارات.
فيا آل تونس صبرا على قيس؛ فإني رأيت عشرين كوكبا والشمس والقمر للخضراء ساجدين، فنوح كان من المستهزَئين، وإبراهيم كان من المحروقين، وإسماعيل كان من المذبوحين، ويعقوب كان من المحرومين، ويوسف كان من المسجونين، وعيسى كاد أن يكون من المصلوبين، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان من المنفيين المطرودين (ولقد كتبنا في الزبور أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
ويا قيس رويدك فقد قسوت على رؤساء العرب، ويا تونس هنيئا لك “برشا برشا” فالله كان أرحم بك من أن يجمع عليك مصيبتين: وباء كورونا وكوفيدها (Covid-19)، وحَـجَّاجٌ يقول: إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.
* طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة القاضي عياض بالمغرب.
شارك رأيك