اليوم وبعد مرور سبعين عاما من الاحتلال الصهيوني، الجاثم على قلوب الفلسطينيين، لم يستطع الفلسطينيون أن يستنشقوا الحرية والكرامة والعدالة التي ينشدها أي شعب تحت الاحتلال. وفيما انغمس العرب في خلافاتهم الداخلية والجانبية، استفادت الحكومة الإسرائيلية من وجود دونالد ترامب في السلطة في الولايات المتحدة لتمرير مشاريعها الاستيطانية والاستعمارية فاستولت على القدس الشريف واعتبرته عاصمة أبدية لدولة الاحتلال.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لقد صدعت أصوات قادة المقاومة الروحيين في المنطقة بالحق في يوم القدس العالمي، حينما تحدث كل منهم عن مستقبل القدس المحتل من قبل الإسرائيليين المغتصبين، وقد أجمع هؤلاء القادة على أن القدس الشريف سيتحرر حتما من أيدي الإسرائيليين الغاصبين المغتصبين، الهاتكين أعراض الناس، المعتدين على أملاكهم وأموالهم وأنفسهم، المدنّسين تلك البقاع المقدسة، التي باركها الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال سبحانه وتعالى: “سبحان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” فالقدس الشريف قدسه الله تعالى وشرفه مكان طاهر ونقي، لا يمكن لليهود أن يدنّسوه بنجاستهم “إنما المشركون نجس” ولا باعتدائهم المتكرر على جنباته وعرصاته وقد تركوا قطعانهم المستوطنين يسرحون ويمرحون في بيت المقدس، بتعزيز من القوات الصهيونية التي تشرف على هذه الانتهاكات الجسيمة في حق البشرية والتي لم يألفها العالم قبل ذلك، فاليوم وبعد مرور سبعين عاما من الاحتلال الصهيوني، الجاثم على قلوب الفلسطينيين، لم يستطع الفلسطينيون أن يستنشقوا الحرية والكرامة والعدالة التي ينشدها أي شعب تحت الاحتلال.
إسرائيل تحاول طمس الهوية العربية والإسلامية وحتى المسيحية في القدس الشريف
وقد بين القادة الروحيون للمقاومة، أن الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة القوة، أما المفاوضات العبثية فلا مكان لها في قاموسهم لأنها لم تجلب لهم منذ اتفاق أوسلو إلا الشقاء والعنت والتعب، ولذلك هم مقتنعون أن التحرير لا يكون إلا بالقوة، والعدو الصهيوني لا يفهم إلا هذه اللغة لكي يرتدع عن فعل أي حماقة، خاصة وأنه يتلقى الدعم المباشر والقوي من أكبر دولة في العالم، وقد استفادت الحكومة الإسرائيلية من وجود دونالد ترامب في السلطة لتمرير مشاريعها الاستيطانية والاستعمارية فاستولت على القدس الشريف واعتبرته عاصمة أبدية لدولة الاحتلال في وقت انغمس العرب في خلافاتهم الداخلية والجانبية وما شهدته الفترة الماضية من اقتتال عنيف جدا من الفصائل والمليشيات وظهور داعش على الساحة وهي صنيعة إسرائيلية أمريكية لإلهاء الشعوب العربية بهذا السرطان الذي حاول القضاء على مؤسسات الدول العربية دولة دولة، وهكذا في كل مرة تحاول إسرائيل طمس الهوية العربية والإسلامية وحتى المسيحية في القدس الشريف.
المقاومة الفلسطينية مستعدة لمواجهة الصلف الصهيوني بالقوة والعتاد
وقد أجمع القادة على ضرورة إزالة إسرائيل من خارطة العالم، لأنها وُجدت على أرض غير أرضها، ومكان غير مكانها، بل أحدثت مشاكل كبيرة في النمو السكاني، وغيّرت ملامح البقعة المباركة من فوق سبع سماوات، واعتدت على كل المقدسات، وتجاوزت كل الأعراف والاتفاقات، وتحدّت كل القرارات، وتمادت في التجاوزات والانتهاكات، والعالم شاهدٌ على ذلك، ولم يحرّك ساكنا، وظل يناور ويندّد، ويطالب ويشجب، طوال سبعين سنة مضت وإسرائيل لا تبالي بنداءاتهم واستغاثاتهم، وتذمّراتهم، على اعتبار أن العرب لا يفعلون شيئا ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا سوى ذلك، فليست لديهم الجرأة الكافية لمواجهة المحتل بلغة القوة، ولم تنفع لغة الحوار والمفاوضات التي مارسها العرب طوال سبعين سنة مضت.
ومن ثم اقتنع القادة الروحيون والعسكريون والميدانيون أنه قد حان الوقت لاسترجاع ما نُهب، وحان الوقت للتخطيط لمستقبل القدس، وما رسالة الشهيد قاسم سليماني لفصائل المقاومة إلا تعبير عما يجيش في نفس المقاومة من استعداد تام لمواجهة الصلف الصهيوني بالقوة والعتاد، وإخراجه من المنطقة صاغرا ذليلا، ويرى الجيش الإسرائيلي بأس المقاومة الحقيقية على الأرض، ولعل هذا التوحد في إلقاء الكلمات احتفالا بيوم القدس العالمي، إلا دليل على وحدة الكلمة والهدف، ووحدة التخطيط والرؤى، ووحدة المصير، والانطلاق نحو المشروع العالمي لتحرير القدس الشريف بإذن الله تعالى من أيدي المستعمرين الإسرائيليين، ولن يكون غير ذلك مفيدا على أي ساحة، فالتنسيق جار بين وحدات المقاومة لتلقين العدو الإسرائيلي درسا لمحاولته كسر الإرادة الفلسطينية عبر موجات من مراحل الاستبداد والتنكيل.
قد يكون الوقت قد حان فعلا، وأزفت ساعة رحيل اليهود من البقاع المقدسة، وحانت إزالة إسرائيل وما جاورها من خارطة الجغرافيا العالمية لتحل محلها دولة فلسطين العظمى وعاصمتها القدس الشريف، ويصبح المسجد الأقصى مسرى جميع المسلمين في كل بقاع العالم رافعين شعار “القدس لنا، واليهود على برا”، هذه أمنية كل مسلم في العالم، بل إن الملايين من الشباب المسلم المؤمن بقضية القدس الشريف مستعدون جميعا للشهادة في سبيل تحرير القدس، ينتظرون فقط الإشارة من قادتهم الروحيين والعسكريين للانطلاق نحو القدس، فلم يعد هناك مبرر للتراخي أو القعود، أو التأخير بعد كل هذا الاستبداد والتنكيل بالشعب الفلسطيني الجريح، والشعوب العربية جميعها، ومن هنا جاء اجتماع القادة للتشاور والتباحث عن استراتيجية متكاملة، لها أثرها القوي في تغيير العالم خلال الفترة المقبلة خاصة وأن ترتيب الكلمات التي سمعناها يدل دلالة واضحة على أنها رسائل تهديد للكيان الصهيوني مفادها أن لا مفر من العقاب على هذه الانتهاكات، ولا رجوع عن مقاومة الاحتلال رغم المحاولات اليائسة والبائسة من قبل بعض العرب الذين مازالوا يفكرون أن العدو الإسرائيلي يرغب فعلا في إقامة علاقات دبلوماسية مع العرب.
* صحفي ومحلل.
شارك رأيك