أصل الإرتباك وعدم الوضوح السياسي اليوم في تونس ليس نظام الحكم في حد ذاته بل يكمن إلى حد بعيد في مخالفة هذا النظام وحدم احترامه. فلا رئيس الدولة مقتنع بمحدوية صلاحياته ولا رئيس البرلمان مقتنع أيضا بمجالات تدخله… ولا أغلب البرلمانيين واعون حقيقة بمهامهم التي انتخبوا من أجلها…
بقلم عبد الرزاق بن خليفة *
حدث أن غيرت الجامعة التونسية لكرة القدم لوائحها لإنقاذ فرق عريقة (من خارج الأربعة الكبار) من السقوط… فكان تنقيح اللوائح في حالات كثيرة… بغرض تحقيق ما عجزت عنه الأرجل والخطط التكتيكية فوق المستطيل الأخضر عن طريق لَوائح تصوت عليها الفرق الصغرى المهيمنة داخل الجلسة العامة للجامعة… يبدو أن المشهد السياسي في تونس لا يبتعد كثيرا عن واقع كرة القدم…
النظام السياسي لا شك أنه يعاني حاليا من عطالة دمرت الاقتصاد والمؤسسات… لكن ما ينساه أو يتناساه الجميع أن الأنظمة السياسية لا تصنعها أنظمة الاقتراع ولا منوال العلاقة الشكلية بين السلط (رئاسي برلماني شبه شبه)…
وكما قال Michel Crozier أحد اكبر علماء الاجتماع في القرن ال 20… “لا نغير المجتمع بقانون”.
النظام السياسي هو محصلة ديناميكية اجتماعية والقانون أحد مكَوناتها…
هذه الديناميكية يحركها أيضا الإعلام الحر والنزيه والقضاء المستقل والكفؤ والحياة الحزبية السليمة ومجتمع مدني حقيقي وفاعل وغير مشوه…
لمن يرجع سبب الداء في الوضع السياسي المرتبك حاليا في تونس ؟ هل يرجع إلى النظام البرلماني؟ بريطانيا هي مهد النظام البرلماني… وفيها حياة سياسية مستقرة.
لمن يتعذر بنظام الاقتراع النسبي نقول أن بلجيكيا و إيطاليا وإسرائيل (إسمها هكذا في الأمم المتحدة!) لها هذا النظام…
من يتحدث عن نظام الاقتراع على الأفراد… فليبشر بدخول بارونات المخدرات والقمار حلبة السياسة من بابها الكبير… وليعد العدة لعودة عقلية المشايخ ووجهاء القوم والعروشية… ولم لا فوز “علي شورب” جديد بالانتخابات التشريعية القادمة!
لازلنا نلف وندور حول ما يجب أن نفعل…
لن يكون هناك نظام سياسي مستقر وفعال ولو غيرنا كل القوانين ما لم تعالج أسباب الفشل الحقيقية… وهي أساسا:
- الانقلاب على نتائج الانتخابات في كل مرة والعمل بلا هوادة على إفشال أي سلطة جديدة (الشاهد أحد الضحايا الأكثر ميلودرامية… لما انقلب عليه حزبه).
- الفساد المطبق الذي يعاني منه الإعلام لأسباب كثيرة… منها الوضع الاجتماعي المأساوي للعاملين فيه وكثرة الدخلاء…
- الارتباك الكبير الذي يعاني منه القضاء بسبب التجاذبات السياسية التي تشقه من جهة وتحول المؤسسة القضائية إلى مؤسسة تعمل بدون محاسبة… ولو داخليا.
- الانهيار الكبير للإدارة التي أصبحت ثقبا في الميزانية تستهلك أكثر مما تنتج… والتي يفترض أن تكون صمام أمان لعدم الاستقرار السياسي… مما يتطلب إصلاحات عميقة ولا يمكن بالتالي للإجراءات الفردية (العزل والإعفاء والنقل والتسريح والإحالة على التقاعد…) أن تنهض بها.
- هيمنة عقلية التواكل وغياب الضمير في العمل… والتعاون فيه خارج أي مساءلة…
- عدم ارتقاء أداء السياسيين إلى درجة مقبولة من النضج في تحديد الاولويات… وغياب الواقعية السياسية.
- واخيرا وليس اخرا… عزوف أكبر طاقة في البلاد عن الشأن السياسي وخاصة لدى الشباب.
لا نعي بوضوح أن مشكل نظام الحكم يكمن إلى حد بعيد في مخالفته وليس فيه… فلا رئيس الدولة مقتنع بمحدوية صلاحياته ولا رئيس البرلمان مقتنع أيضا بمجالات تدخله… ولا أغلب البرلمانيين واعون حقيقة بمهامهم التي انتخبوا من أجلها…
حصر المشكل في نظام الحكم régime politique في حين ان النظام السياسي système politique برمته يعاني في مفاصل ليس القانون الانتخابي أبرزها يعد هروبا من الواقع وارتماء في حضن الحلول السهلة وربما تعبير عن نزوة أو حالة حرمان دفينة من عدم تحقيق ما عجز عنه الصندوق…
هذا دون أن نهمل الحاجة الملحة لعديد الإصلاحآت التشريعية ومنها القانون الانتخابي.
شارك رأيك