تطرق العدد الجديد (الرابع عشر) من المجلة التونسية “شؤون ليبية”، والصادرة عن المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا إلى أوضاع مؤسسات الدولة المُفككة، والغائبة تماما في بعض المناطق، مما جعل سلطة القرار موزعة بين المجموعات المسلحة من جهة والزعامات القبلية من جهة ثانية. وعلى هذه الخلفية استطاعت المجموعات المسلحة وشبه العسكرية أن تعرقل مبادرات السلام وتستولى على مؤسسات الدولة، بحسب ما جاء في محتويات المجلة.
بقلم نور الهدى العبيدي
وألقت المجلة الضوء على التنافس بين السلطات التشريعية والتنفيذية في شرق ليبيا (منطقة برقة) وفي غربها (طرابلس) منذ 2015، على اكتساب الشرعية واعتراف المجتمع الدولي بها. وأشارت إلى الاعتماد على مجموعات مسلحة وشبه عسكرية، بما في ذلك مجموعات متطرفة مسلحة مرتبطة بالقاعدة، ومجموعات السلفيين المدخليين (نسبة إلى رجل الدين السعودي المتشدد ربيع المدخلي)، في محاولة للسيطرة على مقرات الحكومة والبنوك والهيئة الليبية للاستثمار وحقول النفط وموانئ التصدير والمطارات.
وفي سبيل الحصول على دعم وتأييد المجموعات المسلحة، منحتها السلطات الليبية تفويضًا بمهمة حفظ الأمن وإنفاذ القانون بموجب قرارات رسمية، وسمحت لها بالاندماج في المؤسسات الأمنية كمجموعات دون تدريب أو برنامج وطني موحد.
وعلى مدى أربع سنوات، استهدفت هذه الجماعات المسلحة بشكل منهجي حوالي 247 صحفيًا وإعلاميًا، وأكثر من 100 مدافع عن حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى الاعتداء المسلح على منظمات المجتمع المدني وأعضائها، لا سيما أثناء تنفيذ فعالياتها. كما استهدفت الجماعات المسلحة النشطاء الحقوقيين في المطارات ونقاط التفتيش الأمنية، واستخدمت التعذيب في انتزاع المعلومات حول أنشطتهم وانتماءاتهم السياسية. وعلى الجانب الأخر، أوقفت السلطات الإدارية وحلت عشرات المنظمات المحلية. كما تعتمد ليبيا- حتى العام الجاري- على قوانين تنتهك بشكل واسع الحق في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي، مثل قانون المطبوعات لعام 1972 وقانون الجمعيات لعام 2001 والقانون رقم 65 لسنة 2012 المقيد لحق التجمع السلمي، وقانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2014.
إلى ذلك تضمن العدد الجديد من “شؤون ليبية” ، التي تصدر بانتظام منذ 2015، وتتناول بالدرس الشأن الليبي بثلاث لغات (العربية والانكليزية والفرنسية)، دراسة عن “المرأة و سوق العمل في ليبيا” أظهرت أنه لم يصدر أي تشريع بعد 2011 يُحسِن أوضاع المرأة الليبية. وذكر مؤلفا الدراسة، أنه بالرغم من تكاثر الاتحادات والروابط المهنية، بعد انتفاضة 2011، لم يتم سن أي تشريع يهتم بتحسين أحوال المرأة العاملة إلى اليوم، بل استمر تقلص وصولها للمناصب العامة وتزايدت القيود على مشاركاتها السياسية والاجتماعية.
وربما يُعزى الوضع الاجتماعي الصعب للمرأة، مقارنة بوضع النساء في بلدان عربية أخرى، إلى الطابع المحافظ للمجتمع ورسوخ الثقافة البدوية، وسلطة القبيلة في مناطق عدة من البلد، حسب رأي واضعي الدراسة الباحثان الليبيان محمد تنتوش وهالة بوقعيقيص. وتطرقت الدراسة أيضا إلى أسباب أخرى لتهميش المرأة، من بينها الانقسامات السياسية وغياب الأمن عن سوق العمل، وغياب المشاريع الاستثمارية، ما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة، وأثر بصورة خاصة، في عمل المرأة.
واعتمد الباحثان في إعداد الدراسة على عدد من المقابلات مع صاحبات مشاريع وعاملات في القطاع الخاص، ومديرات في المصارف والجهات الحكومية والخاصة، بالاضافة لمقابلات معمقة شملت عضوا في البرلمان ووكيلة وزارة سابقة، لفهم المعوقات التي أدت إلى تراجع مشاركة المرأة بين القوى العاملة. وكتب رئيس تحرير المجلة الزميل رشيد خشانة، في افتتاحية العدد عن تبلور الثنائيات المتصارعة في الأزمة الليبية: تركيا/ حكومة الوفاق وروسيا/ الماريشال حفتر، فبعد اتفاق موسكو لوقف إطلاق النار، الذي رفض حفتر التوقيع عليه في 12 جانفي الماضي، وبعد إعلان برلين في 19 من الشهر نفسه، الذي لم يجد طريقه إلى التنفيذ، تعززت الثنائيات التي تتجاذب الملف الليبي، بين موسكو التي أمدت حفتر بالمرتزقة من شركة “فاغنر” وبأنظمة دفاع جوي متطورة، وتركيا التي زودت حكومة الوفاق بالطائرات المسيرة، التي حققت لها التفوق في المعركة.
واشتمل العدد أيضا على مقالات ودراسات بأقلام خبراء عرب وأجانب، تطرقوا إلى مواضيع راهنة من بينها “الليبيون بين مطرقة النزاع وسندان الفيروس” و”كيف تلاعبت الأنظمة المتعاقبة بتاريخ ليبيا” لتُعزز شرعيتها، و”ثلاثة أسباب وراء دعم تركيا للفصائل المناهضة لحفتر في طرابلس”. أما في القسمين الانكليزي والفرنسي فكتب كلٌ من جلال حرشاوي وجيفري فلتمان وعلي بن سعد، وآخرون.
شارك رأيك