بعد أن خلنا أن تونس قد تخلصت من سنوات الترهيب والتكفير خاصةً مع دستور 2014 الذي يضمن حرية التعبير والضمير، تخضع اليوم، الخميس 28 ماي 2020، آمنة الشرقي للمحاكمة بتهمة “المسّ بالمقدسات والإعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على العنف”. هذه القضية مفصلية و هامة لمعرفة مدى استمرارية الدولة المدنية في تونس.
بقلم أمير عمار *
وكانت الشرقي قد نشرت صورة فيها محاكاة لسورة قرآنية على صفحتها الخاصة الفايسبوك مما أثار جدلاً واسعاً و حسب محامين فأن التهم المنسوبة لآمنة الشرقي قد تصل إلى ثلاث سنوات سجنا.
وفي هذا الصدد، قالت منظمة العفو الدولية إنه يجب على السلطات التونسية وقف محاكمة آمنة الشرقي، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليها، مضيفة أن آمنة الشرقي “تلقت رسائل من أشخاص يهددون بقتلها أو اغتصابها، ومع ذلك تقاعست السلطات في اتخاذ إجراءات لحمايتها، أو التحقيق في هذه التهديدات”. واعتبرت نائب المدير الإقليمي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في منظمة العفو آمنة القلالي أن محاكمة الشابة التونسية “ما هي إلا مثال آخر على كيف أن السلطات، على الرغم من التقدم الديمقراطي في تونس، تواصل استخدام القانون القمعي لتقويض حرية التعبير”.
الأدب العربي حاكى كثيرا أسلوب القرآن الكريم
وبعيدا عن أروقة العدالة وما يبيحه القانون والدستور التونسيين الذين يكفلان حرية الفكر والرأي والتعبير فإن الأدب التونسي والعربي يزخر بمحاكاة القرآن.
ودون أن نعود كثيرا إلى التاريخ الذي يخبرنا عن أدباء تونسيين وحتى عالميين استلهموا من القران قوالب ومفردات وغيرها من العبارات والدلالات لأشعارهم، يكفي أن نستحضر أحد أبرز أعلام الأدب العربي حديثا، محمود المسعدي، الذي تقلد منصب وزير التربية في تونس في حقبة ما بعد استقلال البلاد، حيث اجتلب في كتابه “السد” من الآيات القرآنية ما تيسر لعمله الأدبي بهذه الكلمات: “أعوذ بصاهبّاء من الإنسان الرّجيم”، وهي تحيلنا إلى التعويذة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وكذلك المعوذتين في كتاب الإسلام. ويضيف المسعدي في رائعته: “وقلنا يا آدم أخرج من ضلع العاصفة الريح والصاعقة الرعد وكن فيها النور والنار والبرق”، وتحيلنا هذه الكلمات مباشرة إلى الآية 35 من سورة البقرة.
ويمكن أيضا، استحضار استدلال الرئيس الحالي قيس سعيد بأبيات للشاعر العراقي مظفر النواب حيث يقول في إحدى قصائده “إذا الدساتير سُئلت بأي حبر كُتبت”.
وبغض النظر عن جدلية محاكاة القران، فإن محاكمة مواطن في دولة تدعي ضمان حرية الضمير والتعبير بتهمة “الدعوة إلى الكراهية بين الأجناس أو الأديان أو السكان وذلك بالتحريض على التمييز واستعمال الوسائل العدائية”، وكل دعوات القتل والتهديد التي تلقتها آمنة الشرقي تؤكد أن الترسانة القانونية الجديدة لم تساهم في زحزحة العقليات البالية في تونس ولم ترس ثقافة الاختلاف وقبول الاخر.
محاكاة القران لا يعني الاعتداء على المؤمنين
إن الحديث عن حرية الضمير والتعبير يضمن أساساً حرية نقد الأفكار وحرية الاختلاف. إن نقد أو محاكاة القران أو المقدس بصفة عامة لا يعني الاعتداء على المؤمنين أو المعتنقين عامة والمسلمين خاصة. وهذا هو لب المشكل، وهو عدم فهم أغلب المسلمين عموماً والتونسيين خصوصاً أن نقد الدين لا يعني الاعتداء عليه. وهو ما يجعلنا أمام حقيقة مؤسفة خاصةً أننا غالبا لا ندافع عن حقوق الانسان كقيمة مستقلة عن أي سياق.
إننا ندافع عن حقوق الإنسان أحيانا ونتجاهل انتهاكها أحيانا على حسب الظروف، كما هو الحال في قضية آمنة الشرقي. إذا تم انتهاك حقوق الإنسان لمسلمين مثلنا فإننا نغضب بشدة أما اذا انتهكت حقوق الأقليات غير المسلمة في بلادنا فنادرا ما نغضب وقد ننكر وجود الانتهاكات أساسا.
إذا كنا مؤمنين بحقوق الانسان فيجب أن ندافع عنها بغض النظر عن ظروف انتهاكها. يجب ان ندافع عن ضحايا القمع جميعا بغض النظر عن جنسياتهم أو أديانهم أو أفكارهم أو انتمائهم السياسي.. يجب أن نغضب بنفس القدر إذا تم قمع أي إنسان لمجرد أنه إنسان لأن قيمته كإنسان هي أعظم قيمة.
لا يوجد فضل عظيم في أن يدافع المسلمون عن حقوق المسلمين ويدافع الملحدون عن حقوق الملحدين واليهود عن حقوق اليهود. مثل هذا الدفاع لا ينتمي إلى الإنسانية بقدر ما ينتمي إلى الثقافة القبلية التي تفرض على أبناء القبيلة ان يدافعوا عن بعضهم البعض سواء كانوا ظالمين أو مظلومين.
هذا التجرد في الدفاع عن حقوق الانسان هو أعلى درجات الانسانية. يجب أن ندرك أن واجبنا نحو الوطن لا يمكن أن يتحقق إلا داخل القيم الإنسانية وليس بمعزل عنها.
إن حبك للوطن لا يجب أن يدفعك للدفاع عن الجرائم إذا ارتكبها جيش بلادك وإيمانك بدين ما لا يجب أن يدفعك إلى تجاهل الجرائم إذا ارتكبها أبناء دينك. وهو ما يزيد من التأكيد عن مفصلية قضية آمنة الشرقي لاستمرارية الدولة المدنية في تونس.
* طالب دوكتوراه في القانون العام بكلية الحقوق بصفاقس.
شارك رأيك