الدعوة إلى تنظيم إعتصام الرحيل 2 بداية من جوان المقبل من طرف الثلاثي فاطمة المسدي و عماد بن حليمة ووفاء الشاذلي محاولة يائسة لافتكاك زمام المبادرة في مناهضة حركة النهضة من الحزب الدستوري الحر و رئيسته عبير موسي وقد تكون هذه العملية الإتصالية وسيلة للإسلاميين للخروج من الورطة من خلال الإيهام بأن إستهدافهم هو استهداف لتونس ولأمنها ولديمقراطيتها.
بقلم نضال بالشريفة *
ما تعيشه تونس منذ سنين من أزمات ومشاكل وتخبّط وفشل يعرف معظم الناس سببه وأصل الداء، وهو بدون شك حزب النهضة، هذا الحزب الذّي أتى سنة 2011 واعدا التونسيين بالشغل والتنمية والقطع مع منظومة وممارسات النظام السابق، إضافة لتلك الوعود المرتبطة بتدعيم الهوية العربية الإسلامية والتي تبيّن لاحقا أنّها مجرّد أكاذيب، حيث ارتفعت الأسعار وزاد الفقر والبطالة وانهار الدينار وكبر عجز الميزانية والميزان التجاري وأفلست العديد من الشركات العمومية والخاصّة، إضافة لانتشار الجريمة والإرهاب ومحاولاتهم للإيقاع في تونس في المحاور الإقليمية.
تشتت الصف الوطني بين القبائل السياسية يخدم حزب النهضة
إذا الأغلبية مقتنعة بأنّ النهضة هي سبب الدّاء وحتي من كان معها أصبح الكثير منهم ضدها والدليل تراجع عدد الأصوات التي تحصلت عليها من 1.5 مليون سنة 2011 إلى 500 الف سنة 2019. لكن ما لم تتفق عليه الأغلبية هو الحل و الترياق لهذا الدّاء، فشتت الصف الوطني بين القبائل السياسية والحزبية كلّها إدعت أنها عدوّة للإخوان وأنّه في حال إنتخابها فإنّها ستقطع معهم ومع سياساتهم و سيحاسبونهم على كل ما ارتكبوه في حق البلاد، لكن فور الانتهاء من الانتخابات يدخلون في تحالف انتهازي معها، بدأ بالتكتل والمؤتمر سنة 2011 ثم النداء سنة 2014 و قلب تونس تحيا تونس والتيار الديمقراطي وحركة الشعب في 2019.
أين يكمن الخلل؟ لماذا كل مرّة ينتخب الناخب المعادي للنهضة أطرافا سياسية تعده بعدم التحالف مع الإخوان ثم تتحالف معه؟ لماذا لا تحترم هذه الأحزاب ناخبيها (مثلما لا تحترم النهضة ناخبيها أيضا)؟ في الحقيقة المسؤولية يتحمّلها أساسا الناخبون، فقد أثبتوا أنهم بسطاء للغاية، يسهل خداعهم بالكلمات والخطب الرنانة، خاصة وأن ذاكرتهم قصيرة تنسى سريعا، ومن تحيّل عليهم في السابق بإمكانه أن يتحيّل عليهم مرّة أولى وثانية وحتى ثالثة، ما دام يحسن الخطاب ويحسن اللعب على مشاعرهم.
بروز الدستوري الحر وعبير موسي كبديل جدّي للإخوان
لكن في الأونة الأخيرة بدأ يتغيّر كل هذا، وبدأ يأس الناخب الحداثي في التحوّل إلى قوّة إيجابية قادرة على التحوّل إلى قوّة سياسية ترعب الإخوان وتحد من سطوتهم على مفاصل الدولة و المجتمع، هذا التحوّل الإيجابي سببه الأساسي هو الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسي، حيث لأوّل مرّة اكتشف عشرات الالاف (190 ألف) من الناخبين الحداثيين أنّ الحزب الذّي إنتخبوه لم يخدعهم كالعادة بل بقي وفيا لهم وللوعود التّي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية، حيث لم يضع يده في يد الإخوان لا في البرلمان ولا في الحكومة، بل تحوّل إلى أكبر طرف معاد لهم وفاضحا لمخططاتهم، ونجح في العديد من الأحيان في تحقيق إنتصارات ضده بالرغم من قلة عدد كتلة الدستوري الحر (16 نائبا) لكن الذكاء السياسي وحسن استغلال الفرص إضافة للدعم الشعبي الكبير سواء في الشارع أو في الفضاء الأجتماعي مكّن الحزب من تأجيل جلسة التصويت على الإتفاقيتين التركية والقطرية إلى أجل غير وذلك بعد الندوة الصحفية التي قامت بها عبير موسي وفضحت فيها محتوى هذه الإتفاقية ثم الحملة الشعبية الكبيرة التي عقبت هذا وهو ما فرض على الحكومة سحب هذه الاتفاقية. النجاح الثاني والذّي حصل إثر إعتصام الحسم الذي أجراه الحزب في شهر رمضان هو فرض جلسة مساءلة (أو حوار مثلما قال بعض النواب الاخرين) للغنوشي وهذا إثر تهنئته للسراج بالإنتصار العسكري الذّي حققه في إحدى المعارك والذّي إعتبره كثيرون تجاوزا لسياسة الحياد التي تتبعها تونس و تعديا على صلاحيات رئيس الجمهورية.
بداية المؤامرات الداخلية ضد الحزب
إذا في مدّة قليلة تمكّن الحزب الدستوري الحر، بالرغم من قلّة امكانياته، من إعادة الأمل عند الكثير من التونسيين الذّي فقدوا ثقتهم في الساحة والطبقة السياسيّة نتيجة الخيانات المتكرّرة التي تعرضوا لها. هذا كان من المفروض أن يكون دفعا للعديد من القوى المدنية من شخصيات وجمعيات وحتى أحزاب في الإلتحاق بهذا الحزب من أجل تكوين جبهة مدنية وطنية واسعة تتمكن من مواجهة حزب النهضة وذيوله (في الحكم والمعارضة) وبالفعل بدأت العديد من الشخصيات والمنظمات في التعبير عن مساندتها للحزب. لكن البعض الاخر لم يفعل هذا بل لم يعجبه هذا الإلتفاف أصلا حول الدستوري الحر، فلكل مشاريعه السياسية الخاصة والكل يريد أن يصبح زعيما، ولهذا بدؤوا يكيدون الماكد والمؤامرات للحزب الدستوري الحر لكي يسقطوه ويستأثرا بأنصاره القدامى والجدد وينشئوا بهم مشاريعهم السياسية الخاصّة,
من بين هؤلاء الذين يكيدون للدستوري الحر نجد الثلاثي وفاء الشاذلي، فاطمة المسدي وعماد بن حليمة، وهم إدّعوا من أنهم من أصدقاء عبير موسي وحزبها لكن التاريخ يثبت عكس هذا ويثبت أنّهم كانوا أوّل من تآمر ضد الدستوري الحر وزعيمته، فكيف يمكن أن ننسى ذلك الكلام الذّي توجه به بن حليمة لموسي عند الإنتخابات الرئاسية عندما تهجّم عليها على صفحته على الفايسبوك (مثل أنّها زلمة و تريد إعادة الإستبداد وأنها كانت تكتب التقارير ضد زملائها المحامين…) وهذا فقط من أجل تشويهها وتحسين صورة المرشح الذّي يدعمه (عبدالكريم الزبيدي) نفس المرشّح دعمه أيضا وفاء الشاذلي وفاطمة المسدي، و كلتاهما حينها دعمتا نداء تونس (شق حافظ قايد السبسي) في الإنتخابات التشريعية 2019 بالرغم من كل الخيانة التي ارتكبها هذا الحزب وهذا الشخص وتحالفهم مع الإخوان، فالمسدي كانت مرشحة على قائمته الانتخابية في صفاقس، أمّا الشاذلي فقد شاركت في مؤتمر نداء تونس في أفريل 2019، هذا بالرغم من أنّ كلتيهما كانتا تكيلان كل الشتائم والهجومات على حافظ قايد السبسي، لكن سرعان ما هرولتا إليه عندما عرض عليهما مناصب، فالمسدي كما قلنا جعلها على رأس قائمة انتخابية، أما وفاء الشاذلي فحسب ما بلغنا فقد تم وعدها بمنصب في رئاسة الجمهورية في حال فاز الزبيدي بالإنتخابات الرئيسية (ومعروف أنّ ترشّح الزبيدي كانت تقف وراءه عائلة قائد السبسي إضافة إلى رجل الأعمال كمال اللطيف واللوبي الذي يسانده) وإن دل هذا على شيء فهو يدلّ على إنتهازية هؤلاء وعلى انعدام مبادئهم، فلو لم يكن فعلا يحرّكهم الإخوان لساندوا الحزب الدستوري الحر في الإنتخابات و لعملوا على توحيد القوى المدنية والوطنية، لا العمل على تشتيتها من أجل مصالحهم الخاصّة والضيّقة
هل تغيّر الوضع بعد الإنتخابات؟
من المفروض أنّ نتائج الإنتخابات التشريعية والرئاسية على حد السواء كان يجب ان تكون درسا لكل هؤلاء، فبسبب تشتيت القوى جاءت النهضة في المرتبة الأولى بالرغم من أنّها لم تتحصل إلا على 19%، وبالرغم من تحيّل الكثير من مدّعي الحداثة على ناخبيهم وإرتمائهم في أحضان الإخوان (مثل قلب تونس و التيار وحركة الشعب)، كل هذا من المفروض أنّه جعل المتأمرين على الدستوري الحر من العائلة الوطنية أن يكفّوا عن تآمرهم عليه وأن يلتفوا حوله ويساندوه على أمل أن يتحوّل إلى ماكينة سياسية كبيرة وقويّة تقدر على إلحاق الهزيمة بالإخوان وذيولهم، لكن العكس هو ما يحصل، فوفاء الشاذلي وفاطمة المسدي أعلنتا عن تأسيس حركة قادرون ثم أعلنتا عن تأسيس جبهة الإنقاذ والآن تدعوان لإقامة إعتصام رحيل محاولين الركوب على الغضب الشعبي و توظيفه لصالحهما. الهدف من كلّ هذا هو إضعاف الدستوري الحر و حتى توريطه من خلال سحب البساط منه كالقوّة الأساسية المعارضة للإخوان ومحاولة تشتيت الإجماع الذّي بدأ يتكوّن حوله من قبل أنصار التيار الوطني!
و بعيدا عن أهدافهم، هل أساليبهم ناجحة؟ أبدا! بل عكس أساليبهم الطفولية هذه أصبحت وسيلة تستغلها النهضة من أجل تقوية نفسها، مثل الدعوة للإعتصام التي أطلقها ثلاثي بن حليمة والمسدي والشاذلي (ومن ورائهم كمال اللطيف وحافظ قايد السبسي) حيث أصبحت النهضة تصوّر هذه الدعوة على أنها دعوة للفوضى والإنقلاب وممولة من أطراف أجنبية (أساسا الإمارات التي تحوّلت لبعبع للخوانجية) و هذا من أجل حشد أنصارهم من جديد بعد أن كثر عليهم الضرب من كل الجهات من رئاسة الجمهورية و من البرلمان و من الشارع الذي بات يطالب بالتدقيق في ثروات الغنوشي وأقاربه.
مثلت الدعوة للاعتصام وسيلة للنهضة لكي تحاول الخروج من هذه الورطة من خلال الإيهام بأن إستهدافها هو استهداف لتونس ولأمنها ولديمقراطيتها، خاصة وأن شبح الاطاحة بمرسي في مصر وحرب حفتر ضد إخوان ليبيا لا يزالا إلى اليوم يثيران الرعب في قلوب أنصار النهضة، زد على ذلك الحرائق التّي إنتشرت أخيرة في البلاد (والتي لا أستبعد شخصيا وقوف الاخوان وراءها من أجل تغذية الشعور بمحاولة أطراف أجنبية زعزعة أمن البلاد)…
وهكذا تحوّل تحرّك إعتصام الرحّيل مثلما أسموه من وسيلة للضغط على النهضة إلى سلاح تستعمله ضد خصومها، حتى هؤلاء الذين لم يساندوا هذا الإعتصام مثل الدستوري الحر واتحاد الشغل، فالنهضة ليست ذكية كما يقول البعض لكن فئة من خصومها لهم غباء وانتهازية غير طبيعيين تقوم النهضة بإستغلالها جيّدا… و نحن هنا إذ نقرأ حسن نوايا الثلاثي الشاذلي-المسدي-بن حليمة، فإننا ندعوهم إلى الكف عن لعب دور الأبطال والزعماء وأن يحاولوا الإستئثار بالأضواء وأن ينسقوا مستقبلا مع القوى الحية والوازنة بالبلاد، فأي تحرّك فردي منهم قد يعود بالوابل عليهم وعلى البلاد بأكملها.
* طالب حقوق بكلية العلوم القانونية بتونس.
شارك رأيك