المقال المنشور أسفله كنت كتبته إثر انتخابات أكتوبر 2019 بعد أن خسر السيد نجيب الشابي آخر أوراقه السياسية عقب الخسارة المدويّة لنبيل القروي المترشح الرئاسي الذي دعّمه ʺسي نجيبʺ بكلّ مخالبه اللغوية الناعمة طمعا في وزارة و لم لا في رئاسة وزراء حرمه منها ظلما وبهتانا الرّئيس الباجي! رغم رسالته الطويلة التي وجّهها إليه طالبا منه ʺتوزيرهʺ ضمنا و تصريحا عارضا رؤيته الاستشرافية لإخراج تونس من عنق الزجاجة!
بقلم كريمة مكي *
و لأن الباجي -رحمه الله و غفر له- كان قارئا حكيما يقرأ الضمني فيما وراء الكلام الظاهر فقد أحاط الرسالة الخبيثة بما يلزم من عناية الإهمال.
و بعد هزيمة نبيل القروي و تبخر الأحلام ʺالوزارتيةʺ، و رغم أن نجيب الشابي قال أنه قرّر التفرغ لكتابة مذكرات، ربّما يتصوّر أنّها ستكون مهمّة لغير ورثته البيولوجيين، فاني كنت متأكّدة من أنّه لن يكفّ عن التجريب السياسي و لن يرفض أي فرصة قد تقوده يوما إلى كرسي في الحكم. و هاهي الأخبار تأتينا اليوم لتقول أن نجيب الشابي دخل في مشاورات مع قدامى التجمعيين و ممثلين عن أحزاب وسطية مختلفة لتشكيل حزب جديد!!
لا تستغربوا… إنه نجيب الشابي الذي يتحدّى بنجابة مثالية كل دروس التاريخ التي تلقاها على مدار عمره السياسي فلا هو اتعظ من بورقيبة الذي سجنه و لا من بن علي حين أطرده و لا من الباجي… و لا من النهضة… و لا حتّى من نبيل مرشحه الأثير.
إليكم المقال القديم المتجدّد بفضل تجدّد طموحات نجيب الشابي التي تأخذ مع الأيّام ألوانا أخرى و أوهاما!!!
السّاقطون في امتحان التاريخ
هل من الغريب أن ينتهي أحد السياسيين مثل نجيب الشابي إلى ما آل إليه اليوم من سقوط و هَوان هو الذي على مدى عمره السياسي ما انفكّ يحاول إقناعنا بأنه المناضل الوطني الصادق والمتسامح الذي غفر لبورقيبة ذنب سجنه وذهب للترحم عليه و قراءة الفاتحة عند قبره وهو الذي رفض مبدأ حلّ حزب التجمّع بعد الثورة في مغازلة واضحة لأتباع بن علي حتّى يُصوّتوا له هو الذي أخرجه بن علي من قصر قرطاج في بداية التسعينات شبه مطرود – و لم يقبل بعد ذلك لقاءه أبدا-، بعد أن جاءه طالبا تشريك الإسلاميين في الحكم إثر لقائه بأحد رموزهم في السودان.
يومها قال له بن علي و بكلّ حزم: ʺما دمتُ أنا هنا، فلن يكون للإسلاميين أبدا يد في حكم تونسʺ.
وبعد ذهاب بورقيبة و بن علي و مجيء حركة النهضة للحكم لم يتوقف ʺالنجيبʺ عن مناوراته في مغازلة النهضة و أتباعها فذكّرهم بدفاعه عنهم أيام الجمر و بإضراب الجوع الشهير و ب… و ب…
و هنا لن أنسى أبدا ردّا صامتا و مُذِلاّ أتاه من أحد عُتاة النهضة على تملّقه الوضيع و كان ذلك خلال مؤتمر الحزب الجمهوري سنة 2017 و الذي تمّ فيه تكريم الراحلة النبيلة ميّة الجريبي في آخر أيامها.
يومها كانت الشاشة العملاقة تنقل كلمة الضيوف و فجأة انتقلت الكاميرا لتُركز على صورة نجيب الشابي في الصف الأول و هو جالس إلى جانب علي العريض يُحدّثه بصوت عال ضاحكا و ملاطفا والأخير يُشيح عنه بوجهه في تبرّم واضح.
لماذا يا ترى؟
لأن هناك دائما لحظات فارقة تختارها الكاميرا لترصد أدعياء العفّة والنضال في الوضع الذي لا يتمنّون أبدا أن يراهم أحد فيه فتأتي تلك الصورة الساطعة كما لتفضح نواياهم المتسلقة عبثا لسلّم السلطة.
و لكَم ردّد علينا نجيب الشابي موّال جدارته بالحكم عند كل انتخابات وعدم جدارة غيره ممن أمسكوا بها حتى جاءه الرّد القاسي من الراحل الباجي قايد السبسي إذ قال عنه للمذيع الذي يحاوره من دون حتّى أن يٌسمِّيه: ʺذاك الذي يهاجمني الآن- و كان نجيب قد تملّقه دون جدوى و كتب له رسالة كتلك التي كتبها المنصف المرزوقي لِبن علي زمن النضال، من باب الخوف على الدولة !!- أنا لن أجيبهُ… أنا فقط سأقول: أنا الذي عملت في الدّولة طول عمري… لذا أنا فقط أعرف جيّدا عمّا أتحدث!ʺ
و لأنّ النرجسيين الطمّاعين لا يتّعظون من فشلهم مهما فشلوا فإنهم يستمرّون في مناوراتهم و حِيَلهم حتى تسقط عنهم ورقة التوت و يخسروا آخر من صدّقهم و آمن حقّا بأن لهم مشروعا لخدمة البلاد ʺلله في سبيل اللهʺ.
و كذلك استمر النّجيب الشابي في حِيَلِهِ لمهاجمة الأكفّاء حتّى وصل به الأمر إلى تبييض المترشح السجين رجل الأعمال المتهم بالفساد والاصطفاف وراءه ضدّ أستاذ القانون الدستوري الذي وجد له تهمة تُضعف حظوظه الانتخابية لدى الشق الحداثي بأن قال بأن لديه معلومات تفيد بأن قيس سعيد التقى بزعيم النهضة عشرات المرّات قبل الانتخابات.
هل أصبح لقاء النهضة تُهمة عند ʺالنجيب الشابيʺ ؟!
و لكن متى بالضبط؟
ألم يتوسّل رضا النهضة و دعمها مرارا و تكرار؟ ألم يستعطفها جهارا أمام ميكرفون أحدهم في الانتخابات الأخيرة قائلا بالحرف: ʺنعم أنا جدير برئاسة تونس… أنا مستعد … أنا قادر…
و مع الأسف، النّهضة تفكر في كل العصافير النادرة إلاّ في عصفور إسمه نجيب الشابي!
و ماذا بعد كل هذا؟
و هل مازال لنجيب الشابي ماء حياء ليخرج علينا مجدّدا ليتحدث عن نفسه و عن تاريخه و عن فرصه المهدورة في الوصول لحكم تونس؟
نعم طبعا و هل يبدّل الواحد طبعه. إنه طبع كلّ النرجسيين الماكرين الذين لا يرون إلاّ أنفسهم و إلى آخر يوم في حياتهم. و ما نجيب الشابي إلا مثال وضعته أمامكم لتقيسوا عليه كلّ الفاعلين السياسيين من ذوي النرجسيّة المتورّمة الذين دفعوا للفوضى و التشتيت فانتهينا إلى برلمان كسيح و كان بالإمكان أن يجتمعوا معا على هدف واحد مع حزب واحد من عائلة واحدة لتحلّق تونس مع أحلامها عاليا و لكنّه العُجْب عافاكم الله.
فهل من الغريب إذن أن ينتهي المذكور أعلاه إلى الهاوية التي انتهى إليها و أن يصعد إلى الرّئاسة الرّجل الصّادق و النّظيف!
العبرة دائما بالنهايات فلا يغرّنكم ما يُحققه النرجسيّون المحتالون من شبه نجاحات في البدايات، فالنجاح حقا هو دخولك في امتحان التاريخ، فإما أن تخرج و اسمك مكتوب بأحرف من نور و إمّا أن تنتهي و أنت ساقط في المزبلة.
* كاتبة و مدونة تونسية.
شارك رأيك