جلسة مساءلة رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي المقررة يوم 3 جوان 2020 ستضع الجميع أمام مسؤولياتهم وبالخصوص تلك الكتل التي صمت الآذان بشعاراتها المدوية حول ضرورة الالتزام بمقتضيات الدستور والشفافية والنزاهة وأخلاقيات العمل السياسي في المجال العام والتصدي لسوء استعمال النفوذ وهي لعمري قادرة علي تصحيح الوضع البرلماني بسحب الثقة التي لم تعد موجودة أصلا في الرئيس الحالي بعد كل ما اقترفه في حق النواب والمجلس.
بقلم الدكتور عبد العزيز المسعودي *
جلسة النقاش و المساءلة ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي لمدى احترام مجلس النواب لاختصاصات المؤسسات الدستورية وينتظر الرأي العام الديمقراطي ببالغ الاهتمام جلسة يوم الاربعاء القادم التي ستشهد للمرة الثانية خلال بضعة أشهر مساءلة المجلس لرئيسه حول ما قام به من سلوكات لا تدخل في اختصاصاته ودون تكليف مسبق لا من أعضاء المجلس ولا من قبل رئيس الجمهورية.
كيف ستجري المساءلة وعما ستسفر بالخصوص؟
الأمر يتعلق في الحالتين وفي كليهما بخرق فج للدستور ومحاولة للسطو على صلاحيات السلطة التنفيذية العليا في البلاد لخدمة أجندة سياسية وحزبية خاصة وأخيرا وليس اخرا بسقطة أخلاقية حاول من خلالها رئيس مجلس النواب التونسي إيهام الرأي العام العالمي بأن موقفه الشخصي المنحاز لطرف بعينه في الصراع الداخلي الليبي هو موقف البرلمان التونسي وهو يعلم علم اليقين أن الواقع في خلاف ذلك.
في المرة الأولى اجتمع السيد الغنوشي على انفراد وراء الأبواب المغلقة مع صديقه الحميم والقائد السياسي لحركة الاخوان المسلمين العالمية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وخرج البيان الرسمي لوكالة الأناضول التركية ليؤكد أن الغنوشي حضر الاجتماع بصفته رئيسا للبرلمان التونسي. ومع ذلك ربما يكون بعض النواب قد رجح حسن النية في موقف رئيسه قد خير الإكتفاء بالمساءلة ولفت النظر والتحذير من إعادة الكرة ولكن اتضح اليوم أن للرجل تقديرا مغايرا لمجريات ونتائج تلك المساءلة التي استخلص منها أن المجلس بتركيبته الحالية وتصارع الكتل داخله (الكل ضد الكل) أعجز من أن يفعل أكثر مما فعله في المرة الأولى وبالتالي فإن رئاسته للمجلس تبدو في مأمن من أي تهديد جدي ومن إمكانية التوجه نحو سحب الثقة منه.
فخلافا للتقاليد التي دأبت عليها الشخصيات في البلدان الديمقراطية التي تبادر عندما تكلف بمثل هذه المسؤوليات العليا في الدولة إلى التخلى بمحض إرادتها عن مسؤولياتها الحزبية الرفيعة بمجرد ارتقائها إلى مسؤوليات وطنية عليا احتراما لناخبيها وشعبها، خلافا لكل هذا، اختار الغنوشي وأصر على تجميع ما أمكن من السلطات في يده ما يجعل إمكانية التداخل والتشابك بين الصفة الحزبية والمهمة الرسمية قائمة لدى نظرائه الأجانب وكل الاطراف التي تتعامل معه في الداخل والخارج على حد السواء.
شيخ النهضة الذي يتصرف في المجلس تماما كما في حركته
ردود أفعال الكتل النيابية المسجلة حتى الآن تستنكر وتستهجن الخروقات الجسيمة المتكررة لرئيس المجلس وإن بلهجة متفاوتة الحدة والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم بكل إلحاح على الجميع هو الاتي: هل ستأخذ المساءلة مداها ويتمسك النواب بحقهم وواجبهم الذي يقتضي تجاوز اللوم والتنديد والذي لم يجد نفعا وقد جرب فلم يصح أم أنهم سيتصدون بهمة وحزم لوضع حد للانحراف الذي دأب عليه شيخ النهضة الذي يتصرف في المجلس تماما كما في حركته طليق اليدين بلا حسيب او رقيب.
ستضع هذه المساءلة الجميع أمام مسؤولياتهم وبالخصوص تلك الكتل التي صمت الآذان بشعاراتها المدوية حول ضرورة الالتزام بمقتضيات الدستور والشفافية والنزاهة وأخلاقيات العمل السياسي في المجال العام والتصدي لسوء استعمال النفوذ وهي لعمري قادرة علي تصحيح الوضع البرلماني بسحب الثقة التي لم تعد موجودة أصلا في الرئيس الحالي بعد كل ما اقترفه في حق النواب والمجلس.
أم أن سياسة الكواليس وراء الابواب المغلقة التي تمرس عليها الشيخ وأصبح له فيها باع وذراع ستفضي مرة أخري الى مساومات ومقايضات ستطال بالضرورة توزيع وإعادة توزيع الأدوار وتبادل المصالح داخل الفريق الحكومي ليخرج الغنوشي كما في المرة السابقة بأخف الاضرار. لننتظر ونرى ونقيم ما سيجري. وإن غدا لناظره قريب.
* أستاذ جامعي.
شارك رأيك