على اثر ورود معلومات حول صور لقطع أثرية تونسية موثقة في كاتالوڨ و معروضة للبيع بالمزاد العلني يوم الخميس 11 جوان الجاري برواق في باريس، كتب عدنان منصر الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية في عهد الترويكا و القيادي السابق في حزب المؤتمر لمؤسسه منصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت الاسبق، تدوينة مطولة نشرها صباح اليوم الاثنين 1 جوان 2020 على صفحة منتدى تاريخ تونس يتساءل فيها عن قانونية البيع.
”
حول القطع التراثية التونسية المطروحة للبيع بالمزاد العلني بباريس يوم 11 جوان 2020
أعلنت إحدى دور البيع بالمزاد العلني في باريس عن اعتزامها تنظيم حصة بيع لمجموعة من القطع التراثية الشرقية ومن ضمنها عشرات القطع التونسية. في الرابط أسفل هذا النص يجد المتابعون كتاب المعرض، ويجدون القطع التونسية من الصفحات 6 إلى 37، وعددها 108 قطعة. السؤال هو: هل أن هذا البيع قانوني؟ هل يمكن للدولة التونسية منع البيع والحصول، بالقضاء أو بالشراء، على هذه المعروضات؟ وهل أن كل هذه المعروضات متساوية من ناحية قيمتها التاريخية والتوصيف القانوني؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة لنحاول معرفة أصل هذه القطع، كيف وصلت لدار العرض، وطبيعة العملية من ناحية قانونية. هذه القطع كما يذكر كتاب دار العرض هي في الأصل على ملك السيد محمد الحبيب الجلولي، أحد كبار الموظفين التونسيين الذين تدرجوا في سلم الوظيف حتى أعلى الرتب الوزارية في حكومات البايات قبيل إعلان الجمهورية. بعض هذه القطع هي أملاكه الخاصة (الملابس، التحف، الخناجر، إلخ) وبعضها الآخر وصلت إليه من شخصيات أخرى من بينها بعض البايات (المنصف باي، الأمين باي) أو من مسؤولين آخرين، في حين أن قطعا أخرى بقيت في ممتلكاته الخاصة بحكم قوانين (الأوسمة والنياشين) أو بحكم وظيفته الإدارية (مراسلات رسمية تحمل الأختام الرسمية). لم ينجب السيد محمد الحبيب الجلولي من الأبناء الذكور سوى السيد أحمد الجلولي الذي توفي أعزبا منذ سنوات قليلة فقط (يجب أن نذكر أن المرحوم لم يبخل أبدا بالمساعدة على كل من قصده من الباحثين حيث كان رحمه الله شغوفا جدا بالمسائل التاريخية)، ما يعني أنه يبدو أن الورثة (من شقيقاته أو أبناء شقيقاته) قد تقاسموا الموجودات باعتبارها إرثا منقولا، وأن القطع المعروضة ربما بيعت لدار العرض، أو لشخص طلب وضعها للبيع في دار العرض، أو أنهم هم من طلب بيعها لحسابهم في دار العرض.
أما المعروضات، فإنها إجمالا متباينة القيمة التاريخية، وإذا تناولناها من زاوية نظر ما تضبطه القوانين، فإنها تقع في معظمها في تصنيف الملكية الخاصة، بمعنى أنه قانونا لا شيء يمنع أن تباع كغيرها مما يباع، مع استثناء وحيد وهي المراسلات الرسمية التي تحمل أختام الدولة والتي لا يمكن التفريط فيها بأي صيغة كانت لأنها تبقى ملكية للدولة (عدد هذه المراسلات قليل جدا، وقيمتها التاريخية محدودة جدا). بالنسبة للمخطوطات (بعض أجزاء من القرآن الكريم بخط اليد يبدو أنها أهديت للمنصف باي، مع مخطوطات فقهية وأدبية أخرى)، ورغم قيمتها الفنية فإن تصنيفها كملكية خاصة ليس فيه أدنى شك.
يبقى أن هناك إشكالا يتعلق بنيشانين حسينيين تحصل عليهما المرحوم محمد الحبيب الجلولي بصفة رسمية، أي عبر مرسومين قانونيين، من الدولة. هناك التباس في تصنيف النيشانين ملكية خاصة أو ملكية عامة. مبدئيا، النيشان ملك الدولة، يصدر بمرسوم (حاليا، رئيس الجمهورية هو السلطة الوحيدة التي تمنح الأوسمة والنياشين)، ولا قيمة قانونيا للوسام دون نص قانوني (هناك قانون كامل يفصل في الرتب والمقاييس والأصناف لا يزال ساريا). لكنه أيضا ملكية خاصة باعتبار أنه مرتبط باسم شخص تحصل عليه (المرسوم يذكر وجوبا الإسم والسبب الذي بموجبه منح الوسام أو النيشان).
يأتي الإشكال هنا من كون الأمر يتعلق بنياشين منحتها سلطة ملكية لم تعد موجودة، وبأن هذه النياشين لا اعتراف بها في النصوص القانونية التونسية الحالية، ولكن يفترض أيضا أن الدولة الحالية هي وريثة الدولة الحسينية. في كل الحالات، ليس هناك نص قانوني يمكن الاستناد إليه حاليا لاسترداد هذه النياشين، وللمعلومة فإن بعضها يباع منذ سنوات حتى في أسواق تونسية، وإن كانت نياشين أقل قيمة. الموضوع هنا لا يتعلق بالقيمة القانونية للنياشين، بل بقيمتها التراثية. ولكن التراث تنظمه أيضا قوانين، وفي هذه الحالة تحديدا، لا قانون ينظم الموضوع.
خلاصة الموضوع، وبحسب القوانين السارية، فإن ما يمكن للدولة استرداده بصفته ملكية عامة، عبر مسار قضائي أو اتفاق ودي، هي المراسلات الرسمية. أما بقية الموجودات، فإن الحل المتاح الوحيد هو الشراء من الورثة أو من دار العرض. فيما عدا ذلك، فإن الأمر يتعلق بملكية خاصة، منقولات وقع توريثها لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عن قيمتها التاريخية أو المعنوية.
“
شارك رأيك