لطالما ضغطت الدولة التونسية على رقبة جزيرة جربة حتى كادت تلفظ أنفاسها، حتى في وقت الأزمات لم تشفع لها في أن تخرجها من محنتها، ولطالما تدعو المسؤولين في الدولة أن لها حقوقا تريد الحصول عليها والتمتع بها، ولكن الدولة يصدق عليها قول لا حياة لمن تنادي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
طالما تحمّلت جزيرة جربة كل أنواع الصعوبات ولكن الدولة مازالت تهمّشها ولا تريد أن تستجيب لندائها، ولطالما نادت حتى بُحّ صوتها ولكن الدولة لا تبالي، ظنت الدولة أن الجزيرة لا صوت لها، ولا يمكن أن تُقدم أو تُؤخر، وما أصوات الشباب الجامح والمتحمس إلا نداءات سرعان ما تهدأ وتنتهي، ولكن نقول ربما تنهض جربة، فزيادة الضغط على رقبتها وقرب احتضارها ربما يجعلها تنتفض لأخذ حقّها، وهو الصدى الذي يمكن أن يكون في أي وقت، فشبابها عازمون على مواصلة المشوار في المطالبة بهذا الحق الذي لا يتقادم، ولا يوضع في الرفوف.
لا نذكر جربة إلا في أيام الشدة وأيام المواسم الدينية والسياحية
سئمنا الوعود، وسئمنا العهود، وبدا كل شيء كأنه حلم ثم يتبخر، والناس يعودون إلى أعمالهم، وكأن لم يكن، حاربنا من أجل الجسر المعلّق بين الجرف وجزيرة جربة، وكانت حكومة الشاهد شاهدة على ذلك ووعدت يوما الجربيين بتحقيق الحلم، لكنه سرعان ما تبخّر، وكانت الحكومات التي قبلها تستهتر بالجربيين وتسخر من قدراتهم، والجربيون يثبتون مكانتهم، وكفاءتهم في كل الأعمال وفي كافة المجالات، وهاهي الحكومة اليوم تقوم بالعمل نفسه، لا مبالاة، لا جواب، لا اهتمام، ولكننا نرفع قضيتنا مباشرة إلى رئيس الجمهورية لعله يسمعنا، ولعله يصغي إلى مشاكلنا، ولعله يُرجع حقوقنا، ولعله يأمر الحكومة بالبحث في هذا الملف، ولعله يضع يده على الجرح الذي ظل ينزف وينزف إلى أن تنتهي الحياة كليا في جربة.
إنها جربة يا سادة، وجهة التونسيين في الصيف الحارق، ووجهة اليهود في العالم للتعبد في معبد الغريبة، ووجهة السياح العالميين للاستمتاع والاسترخاء، لماذا لا نذكر جربة إلا في أيام الشدة، وأيام المواسم الدينية والسياحية، لماذا لا تعطوها حقها في أن تكون ولاية، وهي التي تملك جميع المقومات.
نحن نتبع ولاية مدنين إداريا، لكننا مستقلون عن هذه الولاية جغرافيا، والدليل أن سيادة الوالي لا يبالي، نعم لا يبالي بما يجري في جزيرة جربة، ولا يطالب بحقوقها، ولا يسعى لإبلاغ المسؤولين بما تعانيه من مشاكل النفايات، والعبور، والتنمية والتشغيل، والاهتمام بالشباب ودور الثقافة، كما في الولايات الأخرى.
إن الوالي يكرّم اليوم في بلدية ميدون على ماذا؟ فما الذي قدمه لجزيرة جربة حتى يكرّم؟ وما السبب الذي جعل بلدية ميدون تكرمه دون البلديات الأخرى، هل تكرمه على تقاعسه في أداء الواجب نحوها، أم تكرمه على اللامبالاة في كل ما يتعلق بمشاكلها؟ ما هذه المهزلة؟ إنها جزيرة جربة يا سادة.
نريد جربة ولاية رقم 25 في الجمهورية التونسية
أود أن أقول، مرة أخرى، إنها صرخة من الأعماق تدوّي داخل نفوس الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، وحتى الحيوان والنبات كلهم يصرخون نريد جربة ولاية رقم 25، وإلا قريبا سنرفع شعار جربة تريد أن تتنفس، لا تستطيع أن تصبر أكثر مما صبرت، ولا تستطيع أن تكبت نفَسَها أكثر مما كبتته، ولا تستطيع أن تواصل المشوار مع هذه الأوضاع السيئة جدا، ولا تريد أن تكون تابعة لولاية تتجاهلها ولا تسعى لحفظها والحفاظ عليها وتنميتها.
إنها جزيرة جربة يا سادة، تريد أن تتنفّس، تريد أن تستنشق الحرية والكرامة، تريد أن تكون الولاية رقم 25 ومن حقّها أن تكون، ومن حقّها أن ترفع ملفا كاملا لرئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، ومن واجب رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان الاستماع إليها والبحث في ملفها، إن كانت تستحق، فلِمَ المماطلة ولِمَ المماحكة ولِمَ الممانعة؟
* صحفي و محلل.
شارك رأيك