تكثفت، خلال الأيام الأخيرة، الفيديوهات المسربة ذات المضامين الهستيرية المحمومة والخطيرة على أمن البلاد والعباد، وتعددت التصريحات الملوثة بدنس التذيل لبلدان أجنبية ومحاور إستعمارية جديدة، و لا يمكن منطقيا إعتبار مثل هذه الأحاديث والتصريحات والمواقف المسمومة الصادرة عن شخصيات سياسية تتحمل مسؤوليات عليا في مؤسسات السلطة، سلوكيات فردية معزولة، كما يحاول العاجزون عن مواجهة هذا الخطر الداهم إيهامنا بذلك، بل هي ممنهجة بدقة وبسابقية الإضمار.
بقلم مصطفى عطية
موجات الحقد والكراهية والخيانة
موجات هادرة من الحقد والكراهية والرغبة المحمومة في تصفية الخصوم معنويا وماديا، وبعضها مشدود إلى أجندات أجنبية مفضوحة، وهي لا تختلف في غالبها عن تلك المواقف التي تصدر عن فيلق العملاء والخونة الذين أصبحوا يجاهرون بعمالتهم منذ تأكدهم من عجز السلطة عن تتبعهم ومساءلتهم، بل تعددت هذه السلوكيات الخطيرة على إيقاع “تصعيدي” غريب لا يليق بمن دأبوا على تقديم أنفسهم : “ديمقراطيين وحقوقيين ويخافون الله”، فهذا الشعب الذي قدم دماء الكثير من أبنائه قرابين لتحقيق الإستقلال وتوحيد الوطن وبناء دولة حديثة وتجذير الديمقراطية، لن يسمح لطابور الحاقدين والهدامين والفاشيين والعملاء والخونة بتنفيذ أجندات أسيادهم ومموليهم، سواء كانوا من الأعراب الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بأنهم : “أشد كفرا ونفاقا” أو من الغربيين الإستعماريين الذين مازال في قلوبهم المريضة حنين للهيمة على الشعوب الأخرى.
يتساءل المحللون السياسيون والمتابعون للشأن التونسي بالداخل والخارج عن الأسباب التي دفعت بهؤلاء إلى الإنزلاق في هذا المنحدر الخطير الذي يهدد الوطن والشعب، إن كانوا يؤمنون فعلا بهذا الوطن ويحرصون على سلامة الشعب كما يدعون ؟! إذ كيف لنواب في البرلمان إحترفوا “النباح” ضد القمع والفساد والإستبداد والظلم أن يروجوا لرسائل تقطر حقدا وتدعو إلى نصب الفخاخ للخصوم وتوريطهم وتصفيتهم وقد وضعوا بذلك “كل الشعب على ظهورهم” كما يقول المثل الفرنسي المتداول، وفقؤوا أعينهم بأصابعهم خدمة لطموحات شخصية تدعمها بلدان أجنبية.
لم يدرك هؤلاء إلى حد الآن، وبالرغم من إفتضاح أمرهم، أن الشعب التونسي كان عبر تاريخه الطويل عصيا على عصابات الظالمين والخونة ، وكان في كل مرة يفتك بها، وتناسوا أنه تصدى لهم كلما دعوا إلى الفتنة والإنتقام والتشفي والظلم وتصفية الخصوم، و إن ردود الفعل الشعبية العارمة على اغتيال الشهداء شكري بلعيد ولطفي نقض ومحمد البراهمي، شاهدة على سقوطهم المدوي والعار الذي لاحقهم ومازال إلى يوم الناس هذا يطاردهم في حلهم وترحالهم.
تداعيات ومخاطر “اليأس السياسي”
لا شك أن هؤلاء بلغوا مرحلة “اليأس السياسي” بعد أن تعددت سقطاتهم وتراكمت خيباتهم وٱنهارت أقنعتهم وتعرت أهدافهم وٱفتضحت مخططاتهم وٱقتنعوا، في قرارة أنفسهم، ب “نهايتهم السياسية المحتومة”، وهو ما دفع بهم، في آخر المطاف، إلى لعب كل أوراقهم الإستفزازية دفعة واحدة وذلك بٱستهداف الوطن وسلامته والشعب ووحدته والدولة وهياكلها والديمقراطية وقيمها والحرية ومبادئها ومعارضيهم وحقهم في الوجود والتعبير، لينزعوا عن أنفسهم آخر ورقة توت تستر عوراتهم ويمعنوا في الإرتماء في أحضان الدول الأجنبية المناوئة لتونس والتونسيين، والتي تحتضنهم وتأويهم وتشغلهم وتدعمهم بالمال الفاسد وتفتح أمامهم منابرها الإعلامية.
بقي أن اللوم كل اللوم موجه للسلط التي لم تتحرك بالجدية المطلوبة لمواجهة هؤلاء الفاسدين والفاشيين والخونة والعملاء بوجوه مكشوفة، وبالتالي محاسبتهم عما صدر عنهم وتطبيق القوانين المعمول بها دون حسابات مهما كان مأتاها.
صحيح أن وضعنا الهش، بسبب عشر سنوات من الفوضى والإنفلات والتسيب والإنهاك، يدعونا إلى التريث وعدم الدخول في مواجهات مع بعض الدول التي تدعم هؤلاء وتمول مخططاتهم الترهيبية ولكن سيادة الوطن ووحدته وسلامة شعبه خط أحمر لن يسمح تونسي أصيل واحد بتجاوزه مهما كانت الأسباب والمبررات.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك