انخرطت تونس منذ سنوات في مشروع إصلاح عام للتصرف في المالية العمومية يقوم على التصرف في الميزانية حسب الأهداف يجمع بين التصرف في الميزانية على أساس البرامج وبين التصرف العمومي المبني على النتائج والذي يتم التركيز فيه على النتائج عوضا عن الوسائل ويرمي إلى تحسين النجاعة والفاعلية للتدخلات العمومية ومزيد شفافيتها.
بقلم زياد الرياحي *
هذا المبدأ العام في التصرف يمكن تطبيقه على كل المؤسسات والهياكل والإدارات سواء كانت عمومية أو خاصة. حيث تكتسي إدارة البرامج والمشاريع، مهما كان نوعها أو حجمها أو مدتها الزمنية أو تكلفتها، أهمية بالغة بحكم تأثيرها على أداء المؤسسة وارتباطها بجوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية.
وعليه فجودة الأداء المؤسسي يبقى رهين القدرة على متابعة سير وإنجاز البرامج والمشاريع على أرض الواقع وتقييم تقدمها ومدى النجاعة في تحقيق الأهداف المرسومة بصفة مسبقة ضمن المخطط الاستراتيجي للهيكل المعني. ويمثل هذا المقال طرحا بسيطا حول كيفية متابعة وتقييم البرامج والمشاريع باعتماد نظام التصرف المبني على النتائج بالنسبة للهيكل العمومي.
غالبا ما ينتهي البرنامج أو المشروع وكأنه لم يكن أي يتبخر مع تبخر الاعتمادات المرصودة له فلا نعلم كيف تم إنجازه وما الذي تسبب في تعطيله أو تأخيره وكيف تم توظيف الموارد المخصصة له.
وضع برنامج للمتابعة والتقييم منذ البداية
وفي ظل الحاجة إلى القيام بشراكات مع المنظمات والجهات المانحة أو الداعمة أو وبالنظر لطول وتشعب الإجراءات المرتبطة بالمشاريع من أعمال تحضيرية ودراسات وورشات عمل وملتقيات وخبراء دوليين إلخ.، بات من الضروري على الإدارة وضع برنامج للمتابعة والتقييم منذ البداية يرتكز على أهداف ووسائل ومؤشرات لقياس مدى تحقيق هذه الأهداف وكذلك على موارد بشرية ومالية وفنية وعلى تقارير دورية، كمية ونوعية، من أجل قياس الإنجازات ومقارنتها مع الأهداف خلال فترة زمنية محددة. حيث عادة ما تكون تقارير عمليات المتابعة شرطا أساسيا من أجل الالتزام بتوفير أو صرف الاعتمادات اللازمة لمواصلة البرنامج أو المشروع أو الانتقال لغيره.
ومن هذا المنطلق، تعتبر عملية المتابعة والتقييم جزءا أساسيا لتحقيق الأهداف والغايات التي يتم ضبطها من قبل الإدارة أو البرنامج أو المشروع وهي بالتالي جزء لا يتجزأ من الخطة الاستراتيجية. فإذا رغبت الإدارة في أن يكون لديها أداة ناجعة لتطوير الأداء المهني والإداري والتقني والمالي للعاملين فيها وكذلك للشركاء والمستفيدين من البرامج والمشاريع وتعزيز كفاءتها وفعاليتها بشكل يساهم بصفة إيجابية في ديمومتها ويمكّن من تحقيق الأهداف المرسومة، فإن ضبط برنامج واضح ودقيق للمتابعة والتقييم لا مفرّ منه.
لذا فنظام المتابعة والتقييم أو ما يسمى كذلك بنظام الرصد هو نظام متلازم ومتجانس في مختلف أبعاده وأهدافه والآليات المعتمدة في الغرض، حيث يمكن تلخيص المتابعة في كونها عملية الجمع المنهجي للبيانات المتعلقة بمخطط العمل وبمؤشرات محددة لمساعدة المسؤول على معرفة ما إذا كان على المسار الصحيح نحو تحقيق النتائج المرجوة وهي بالتالي تهم المدخلات والمخرجات وتمتد على أجل قصير. في حين أن التقييم يعتبر عملية القياس الموضوعي لأهمية أو فعالية أو كفاءة البرنامج أو المشروع في علاقة بالمخرجات والتأثيرات التي تهم الأهداف المرسومة والاستراتيجيات الكبرى ويمتد على أمد طويل. وعليه، فاعتماد المتابعة والتقييم معا يخوّل التعرف على مواطن القوة ونقاط الضعف وتعلم الدروس واستخلاص النتائج مما يتطلب بديهيا أن تكون عملية المتابعة والتقييم متكاملة وتعبّر بكل دقة وموضوعية عن المنهجية الخاصة بالبرنامج أو المشروع لخلق النجاعة والفعالية المطلوبتين في الأداء وتعزيز علاقات الشراكة بين الأطراف المعنية بالبرنامج أو المشروع ويعزز ثقة المجتمع والرأي العام في المؤسسة.
إستراتيجية تصرف ترتكز على الأداء وتحقيق المخرجات والتأثيرات المباشرة
ومن بين إحدى أهم طرق التصرف الحديث هو اتباع نظام المتابعة والتقييم بناء على النتائج وهو نظام يتجاوز السلبيات التي يقوم عليها نظام التصرف حسب الأهداف. حيث يرتبط هذا الأخير بعناصر تهم تصميم المشروع أو البرنامج وهو بالتالي مرجع ثابت للمتغيرات التي تهم نهاية المشروع أو البرنامج ولا يقدم حصيلة النتائج بصفة شفافة وهو ما يمكن اعتباره تحدّ للنظام الجديد القائم على النتائج. وقد اعتبر الخبراء في مجال اللإدارة والتصرف، في المقابل، أن نظام التصرف حسب النتائج هو إستراتيجية تصرف ترتكز على الأداء وتحقيق المخرجات والتأثيرات المباشرة وكل هذه العناصر تسمى نتائج فهي بالتالي تغيّر ملموس نابع من علاقة سببية أي إذا حدث كذا فسيحدث كذا.
بصفة عملية ومنطقية، يمكن للمؤسسة أو الإدارة التي اختارت اتباع نظام التصرف حسب النتائج أن تكون إدارتها لمشاريعها وبرامجها قائمة أساسا على تحقيق النتائج أي أنها تطالب المسؤولين عن تلك المشاريع والبرامج بتحقيق النتائج من خلال مراقبة التقدم في الإنجاز عن طريق قياس الأداء ومقارنته بالأهداف بصفة مستمرة ومتواصلة وليس في النهاية فقط في حين أن أسلوب التصرف حسب الأهداف يقوم على مقارنة المخرجات والأنشطة بالخطة. وبالتالي فهو عملية تخول للمسؤول معرفة كيفية تحقيق النتائج مع مرور الزمن ويتم بالتالي التركيز على تحقيق النتائج والتأثيرات بدل التركيز على تحقيق الأنشطة والأعمال.
ومن هذا المنطلق، فاتّباع منهج المتابعة والتقييم حسب النتائج سيمكّن الإدارة وكل العاملين فيها من التركيز على النتائج بدلا من الأنشطة وبالتالي إظهار هذه النتائج المرتبطة بالمشروع أو البرنامج على أرض الواقع لكل الأطراف المعنية على غرار الجهات الحكومية والجهات الممولة والمجتمع المدني وكل المتعاملين معها هذا إضافة إلى تكريس مصداقية المؤسسة عبر إعداد تقارير تهم تطور الأداء وارتباطه بالأهداف المرصودة وبالتالي توفير المعلومة المناسبة في الوقت المناسب من جهة وتمكين القائمين على البرامج والمشاريع من القيام بالعمليات التصحيحية اللازمة بناء على نقاط الضعف التي تم رصدها من ناحية أخرى.
ماهي إذن أهم الخطوات اللازمة لتطبيق نظام المتبعة والتقييم بناء على النتائج؟
ضرورة توفر الإرادة والرغبة في القيام بعملية المتابعة والتقييم
في البداية يجب على المؤسسة أن تكون مستعدة لاتباع هذا النظام. والاستعداد هنا لا نقصد به لوجستيا أو ماديا وإنما ضرورة توفر الإرادة والرغبة في القيام بعملية المتابعة والتقييم كما يجب على الهيكل المعني أن يكن لديه خطط استراتيجية تنفيذية وتشغيلية واضحة المعالم وأن يكون تنظيمه الإداري قائم الذات. ثم في مرحلة ثانية، يتوجب على الهيكل المعني أن يقوم بضبط الأهداف العامة والمرحلية وخاصة النتائج المرتقبة ثم يضبط المؤشرات اللازمة لقياس ذلك وقيم الأساس الموجودة أي يقوم بإجراء مقارنات مثلا مع ما هو مأمول أو مع ما تم تحقيقه من قبل مؤسسات أخرى لقياس الأداء. إثر ذلك، يتوجب وضع وإرساء نظام واضح ودقيق للمتابعة مبني على النتائج يهم مرحلة تنفيذ البرنامج أو المشروع (المدخلات والأنشطة والمخرجات) ومرحلة النتائج الفعلية (أي الآثار) ويتضمن هذا النظام خطة لجمع وتحليل البيانات وكذلك إرساء نظام للتقييم مبني على النتائج يقوم على دراسة مدى ملاءمة المشروع أو البرنامج لحاجة الفئة المستهدفة وفاعليته وقابلية استمراره ويتم تنفيذه في أي مرحلة بدءا من التخطيط إلى ما بعد التنفيذ. ثم يجب عرض نتائج ما تم قياسه بشكل شفاف كي يتم أخذ القرار بناء على ذلك بشكل ناجع ثم تحسين النتائج.
ولغرض تسهيل تصرفها ومتابعتها وتقييمها لبرامجها ومشاريعها، يمكن أن تعتمد الإدارة مقاربة علمية متطورة تقوم على إنشاء منظومة معلوماتية في الغرض تخول لها المواكبة الدقيقة والحينية لجميع الجوانب الخاصة بالمشاريع مثلا على غرار طلبات العروض والمتابعة المالية ومتابعة الإنجاز ومختلف المسائل التنظيمية من خلال قاعدة بيانات المشاريع والبرامج وتخطيطها ومتابعتها وتقييمها باعتماد مؤشرات الأداء والأهداف المرسومة وكل المؤشرات الإحصائية بشكل أفقي ومفصل وتمكّن من استخدام معايير موحدة لكافة المستخدمين وتكريس مبدأ متابعة الأداء وبما يساعد المسؤولين عل أخذ القرار المناسب في إبانه.
* مستشار بمجلس نواب الشعب.
شارك رأيك