إن الدور المؤثر للحبيب خذر على قريبه راشد الغنوشي، وما يروج له خصوم حركة النهضة والبعض من قياداتها المتمردة من تأثير متزايد لأفراد عائلته في القرار السياسي للدولة تثير لدى التونسيين الخوف المتجدد من سقوط الحكم في دائرة النفوذ العائلي الذي عانت منه البلاد منذ قرون و ما زالت تعاني.
بقلم مصطفى عطية *
يتداول التونسيون هذه الأيام، خاصة وعامة وبشكل مكثف، ما يتردد عن التأثير الطاغي للحبيب خذر رئيس ديوان راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب الذي هو قريبه، في تجاوز مفضوح لصلاحياته، وبٱمتيازات تفوق بكثير تلك التي كان يتمتع بها من تعاقب على هذا المنصب منذ تأسيس الدولة الحديثة وٱنطلاق النشاط البرلماني في تونس، وانتشرت في القلوب والعقول هواجس كثيرة محبطة، كان الشعب قد اعتقد، في فترة من فترات الوهم، أنها لن تعود مرة أخرى لتخيم على الحياة السياسية في تونس بعد الحراك الشعبي لسنة 2011، قيل أنه جاء ليخلص البلاد من آفات نخرتها طيلة أكثر من ستة قرون أو هكذا خيل للناس.
ويلات “الحكم العائلي”
لا شك أن التونسيين ذاقوا الأمرين من الحكم العائلي سواء في عهد البايات الذي كان الحكم فيه ملكيا وراثيا أو بعد الإستقلال وخلال عهدي الجمهورية الأولى إذ كان تدخل أفراد العائلة سافرا ومؤثرا. لم يستطع الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي تمكن من إبعاد إبنه عن دائرة النفوذ، أن يفعل الشيء ذاته مع زوجته وسيلة ثم إبنة أخته سعيدة ساسي، فقد كانت وسيلة بن عمار، وهي من عائلة أرستقراطية مقيمة بالعاصمة منذ عقود عديدة، ذات تأثير كبير في الشأن الوطني حتى وصل بها الأمر إلى تكوين”لوبي” فاعل وضاغط داخل القصر، ينسج المناورات ويطيح بالوزراء غير الطيعين ويعين آخرين رهن إشارتها كشقيقها المنذر بن عمار، والباجي قائد السبسي والشاذلي العياري وفؤاد المبزع وحسيب بن عمار وصلاح الدين بالي وغيرهم، ويوزع المنافع على المقربين ومن جاورهم برباط عائلي أو جهوي، ثم تحول النفوذ بعد طلاقها القسري في عام 1986 إلى سعيدة ساسي التي أصبحت الآمرة الناهية في ظل هرم ومرض خالها الرئيس الحبيب بورقيبة فكونت هي الأخرى حلقة من الأتباع والمريدين تنصبهم في أعلى المراتب وتتدخل لفائدتهم كلما احتاجوا لخدمة أو مصلحة ومنفعة كمنصور السخيري وعبد الوهاب عبد الله و زين العابدين بن علي على سبيل المثال وليس الحصر، وعلى يديها بدأ إنهيار العهد البورقيبي.
“إنتفاضة ” بن علي وتكريس نفوذ العائلة
دخلت البلاد مرحلة الخطر، فٱنتفض الوزير الأول زين العابدين بن علي، الذي كانت سعيدة ساسي وراء تعيينه لأسباب يعرفها القاصي والداني، وأزاح بورقيبة من الحكم ليأخذ مكانه، لكن لم يطل إلتزامه بالبيان الذي أعلنه يوم السابع من نوفمر وكسب به “مبايعة” المواطنين، إذ سرعان ما أخل بٱلتزاماته وفتح المجال واسعا لإخوته وكافة أفراد عائلته وأبنائه وأصهاره من زوجته الأولى ثم لزوجته الثانية وعائلتها، ليعيثوا في الأرض فسادا ويحولوا البلاد إلى مزرعة خاصة بهم، مما مهد للحراك الشعبي الذي أطاح بنظامه في الرابع عشر من جانفي2011.
أثرت هذه الوقائع والأحداث تأثيرا بالغا على التونسيين فأصبحوا حذرين من كل ما هو عائلي في دائرة الماسكين بالسلطة، يكفي أن تتهم هرم النظام بالسقوط تحت تأثير العائلة حتى تستفز حفيظة أكثر التونسيين هدوءا وتعقلا.
الباجي قائد السبسي في فخ الإنتمائية الضيقة
كان الباجي قائد السبسي، ومنذ توليه الحكم في مارس 2011، كرئيس حكومة ثم كرئيس جمهورية، في جانفي 2015، حريصا على تمكين المقربين منه عائليا وجهويا من المناصب الرفيعة والمؤثرة وفتح المجال أمام أفراد عائلته، وعلى رأسهم إبنه حافظ قائد السبسي، لينعموا بالمراتب السامية والتأثير الفاعل على مجرى الأحداث، ويتنزل اختياره ليوسف الشاهد، وهو حديث العهد بعالم السياسة، ليترأس الحكومة بعد إقالة الحبيب الصيد، في هذا السياق المشحون برغبة جامحة في تكريس نوع آخر من “الحكم العائلي”، وقد أثارت مسألة القرابة العائلية التي تربط رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي برئيس الحكومة يوسف الشاهد ردود فعل سياسية وشعبية مختلفة، رغم تكذيب الطرفين لوجود رابط عائلي بينهما، لكن الحقيقة خلاف ذلك تماما فخال يوسف الشاهد، المرحوم البشير الحداد، الذي ترأس بلدية قرطاج، متزوج من أخت صهر الرئيس وطبيبه الخاص !!! وهي قرابة تضاف للعلاقة الإنتمائية التي كانت تربط عائلة جدة الشاهد راضية الحداد، أخت الوزير البورقيبي وأحد أهم أعضاء “لوبي” وسيلة بن عمار والصديق الحميم للباجي، حسيب بن عمار، بعائلة قائد السبسي.
عندما خفتت هذه الزوبعة، إندلعت أخرى وتتعلق بالإنتماء الجغرافي ليوسف الشاهد (سليل عائلة من الحاضرة)، بدعوى أن “ثورة الفقراء” سطا عليها “الأرستقراطيون” !!! وهو مازاد في نشر الخوف لدى الشعب من عودة “الحكم العائلي” للهيمنة من جديد على مفاصل الدولة وبطريقة أكثر شدة من أي وقت مضى، خاصة وأن الباجي بقي متمسكا، حتى آخر لحظة من حياته ببقاء إبنه حافظ كوريث له على رأس حزب نداء تونس !
الغنوشي وحلقة جديدة من مسلسل لا ينتهي
إن الدور المؤثر للحبيب خذر على قريبه راشد الغنوشي، وما يروج له خصوم حركة النهضة والبعض من قياداتها المتمردة من تأثير متزايد لأفراد عائلته وخاصة إبنته سمية وابنه معاذ، أعاد إلى الأذهان تمسكه بفرض صهره رفيق بوشلاكة، شهر عبد السلام، كوزير للخارجية في حكومة الترويكا رغم قلة خبرته وانعدام إلمامه بالشؤون الديبلوماسية، وأثار لدى التونسيين الخوف المتجدد من سقوط الحكم في دائرة النفوذ العائلي، وهو ما زاد في غليان الشارع وانحدار الثقة في الماسكين بالسلطة إلى أدنى درجاتها، خاصة وأن كأس الغضب الشعبي أصبحت ملأى وتكفي قطرة واحدة لتفيض، ولكن يبدو أن العقلية القبلية والعشائرية والعائلية ما تزال سائدة بل غدت أكثر تأثيرا على سياسات وسلوكيات الحكام الجدد.
شارك رأيك