بعد أن نعت بالأمس الثلاثاء 23، رئيس الجمهورية ب (دمية قرطاج) و بعد سلسلة من حملاته المشوهة للقائد الاعلى للقوات المسلحة، رجع اليوم الاربعاء 24 جوان أبو يعرب المرزوقي ذو المرجعية الاسلامية و نائب عن حركة في مجلس في انتخابات 2011 قبل ان يقدم استقالته بعد سنة، لنقد رئيس الجمهورية…
“مهرب التمييز
بين الحماية والاستعمار لا يقنع إلا الحمار
تعليقا على تدوينة للزميل نور الدين الغيلوفي رأيت من الواجب أن اوضح موقفي من مهرب الشكليات القانونية التي أراد المدافعون عن موقف من بين أنه ليس أهلا لتمثيل تونس عامة وتونس الثورة خاصة.
رئيس متسول يبيع كرامة وطنه بطلب مقابل دال على الذل والمهانة تزيد الأعداء استخفافا بنا واحتقارا لدماء شهدائنا.
فالوصف القانوني لعلاقة فرنسا بتونس الذي يبدو صحيحا شكليا ليس حجة قانونية صحيحة ناهيك عن دلالتها الخلقية عند المحتج بها.
وهي ليست مناسبة للرد على طلب الاعتذار فتكون منطلقا لبديل منه.
فالاعتذار يتعلق بالضرر الذي حصل أيا كانت طبيعة العلاقة بين فرنسا وتونس طيلة 70 سنة. والتمييز بينهما حتى لو قبلنا الوصف “حماية” بديلا من الوصف “استعمار” لا يفيد أن الضرر لم يكن مثل ضرر الاستعمار.
فعدم احترام بنود الحماية التي تحولت إلى استعمار أمر واقع فيها جريمتان: الاستعمار كأمر واقع وعدم العمل بالاتفاقية. فالحماية لم تحترم أولا بالقياس إلى الشعب وبالقياس إلى رموز السيادة حتى وهي تحت الحماية.
ويكفي ما حصل لرمز الدولة المحمية أي مصير المنصف باي وكل المطالبين باحترام اتفاقية “الحماية” كمرحلة أولى في معركة التحرر. فالمطالبة بتطبيق بنود الحماية كانت أساس المطالبات الأولى.
ولم يقع المرور إلى حركة تحرير فعلية إلا بعد فقدان الامل في ذلك وشروع فرنسا في تمسيح تونس (المؤتمرالافخارستي).
فأنا شخصيا فقدت اختي وخالي وابن عمي في الحرب العالمية الثانية ووالدي فرض عليه أن يعمل في الحرب العالمية الأولى مسخرا في مرسيليا سنة كاملة.
فهل الحماية تفرض على أبناء تونس الذهاب لحماية فرنسا وحماية مستعمراتها في فياتنام؟
فمن كان يحمي من:
شبابنا هو الذي حمى فرنسا في الحربين مثلهم مثل شباب الجزائر. وقد قص علينا آباؤنا عدد الشباب الذي جند بالعنف ليقاتل في فياتنام والكثير منه مات هناك أو عاد فاقدا لشروط الحياة الكريمة ومهدود الصحة,.
فاللائحة ما كانت لتطلب الاعتذار حتى من الاستعمار لو كان كما يزينه اصحابه (وخاصة هيجل وماركس) ذا غاية نبيلة هي تحضيرنا لأننا كنا همجا وبحاجة “للتنجير” (التثقيف). إنما هو كان تهديما نسقيا لحضارتنا وقد واصلها الخونة الذي كان الرئيس في زيارته على صورتهم.
لكن هبني قبلت أن الأمر يقتضي التمييز في الوصف القانوين بين الحماية والاستعمار وشكليا يمكن القول ” إن تونس كانت حماية وليست مستعمرة مثل الجزائر”.
فهل هذا الكلام حتى من حيث الشكل القانوني صحيح ومطابقا لما أبرمت “اتفاقية” الحماية.
إنه ليس مطابقا شكليا “دو جوري” أيضا وليس “دو فاكتو” لما حدث. فهل تونس هي التي طلبت الحماية فجاءت فرنسا لتحميها أم إن أمرين حدثا قبل ذلك من طبيعة استعمارية هما اللذان أديا إلى فرض الحماية بقوة الاحتلال المتقدم عليها:
1-الأمر الاول:
فرنسا قضمت ما يقرب من نصف تونس خلال احتلالها للجزائر وتوسيع مستعمرتها لأن خارطة تونس بين بداية احتلال الجزائر وبداية احتلال تونس بخدعة الحماية فقدت فيها البلاد الكثير من مساحتها على الحدود الفاصلة بين الجزائر الأصلية والجزائر التي صارت مستعمرة فرنسية.
فهذا على الأقل استعمار وليس حماية.
كيف نصفه قانونيا؟
فهو ليس خارج الحماية فحسب بل هو ضاع نهائيا لأنه لم يعد من دولة تونس.
وكان يمكن أن يصبح مصدر خلاف حدودي بين تونس والجزائر كما حدث بين المغرب والجزائر لولا حكمة القيادات التي فضلت التوافق بين الأشقاء.
2-الأمر الثاني:
ملاحقة فرنسا للمقاومة الجزائرية طيلة خمسين سنة قبل الحماية لانها كانت تلجأ إلى تونس كما حدث في ثورة نوفمبر. فكانت فرنسا تترصدهم فتدخل أرض تونس ولا تحترم سيادتها إلى أن فرضت الحماية بعد أن احتلت شمال تونس وقد استشهد جدي للام في مقعد خلال المقاومة الشعبية.
ونأت الآن إلى الحماية.
فهي لم تكن بطلب من تونس ولو كان المنافسون الاوروبيون لفرنسا يسمحون لها لضمتها واستعمرتها كلها مثل ما قضمته.
كانت الحماية حيلة لاخفاء الاحتلال لأن الأوروبيين كانوا يتهمون فرنسا باخذ نصيب الأسد أي جل المغرب الكبير لأنها قضمت من تونس ومن المغرب.
وفي المقابل اضطرت للتنازل لإيطاليا لاحقا عن كثير من الجنوب التونسي مقابل السكوت عن احتلالها تونس بحيلة الحماية.
لكن “القانوني الاخرق” كان بحاجة إلى مهرب حتى يعلل موقفه الخياني والمتخاذل.
فأوهم السامعين أنه يفرق بين الوضعين القانونيين بين الاستعمار والحماية كما يفرق بينه وبين العائلة التي طالبت بالاعتذار لأن من يعتذر يتهم نفسه كما يقول المثل الفرنسي التي قالها بتفاقه وفخر لكأن ذلك يدل على ثقافته الفرنسية العريقة.
لكأن الانتداب في الشرق لم يكن احتلالا بعد سايكس بيكو لأنه سمي انتدابا. فلا سوريا ولا العراق ولا فلسطين كانت محتلة لأن الاسم هو انتداب. وإذن فعلامتنا لو كان ضيفا على بريطانيا أو على فرنسا لأفتى بأن هؤلاء لا يحق لهم المطالبة بالاعتذار ناهيك عن التعويض.
فلسطين أيضا كانت انتدابا بريطانيا. ولا يحق للفلسطينيين أن يطالبوا أنجلترا بالاعتذار على وعد بلفور لأن احتلالها اسمه انتداب وليس استعمار بلغة علامتنا الجهبذ وبتبرير اخيه الذي يبدو أنه توأم في الفهم وحذق القانون.
أحيانا أتساءل عن المصيبة التي جعلت النخبة السياسية التونسية والقيادات التي تدعي الحكمة والزعامة على درجة من الاستهتار تمكن لمثل هؤلاء المتخلفين ذهنيا من السيطرة على أمن تونس واسرارها لأن رئاسة الدولة في هذه الحالة لا يمكن أن تكون في مأمن.
فإذا كان هذا ما يحصل في العلن فماذا يمكن أن يحصل في السر”.
شارك رأيك