ساءني ما يحدث في تونس اليوم على الأقل ظاهرا، لأن تونس لا تستحق كل هذا العناء السياسي والعنت الاجتماعي والعناد البشري، لتبقى على الدوام مشكلة سياسية وتعيش مرحلة ديمقراطية مشوّشة لا تستقر أبدا.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
عندما نهضت الثورة في تونس في مفتتح عام 2011 استبشرنا خيرا، وكلنا فرح بالمولود الجديد، وكلنا نفض غبار استبداد جثم على صدورنا أكثر من خمسين عاما، لكن تبعات الديمقراطية كانت ثقيلة علينا مثل تبعات كورونا أو أشدّ.
ولئن نجحنا في تجاوز الكارثة الصحية إلى حد الآن على الأقل إلا أننا مازلنا نصارع الديمقراطية التي باتت عصيّة إلى حد الآن ولم ترد الرضوخ للشعب التونسي الذي تمنّى وما زال يتمنّى أن يستقر الوضع السياسي في بلاده بعيدا عن الصراعات الحزبية والحسابات الضيقة لكبار الساسة.
الرجوع إلى تحكيم العقل لا العاطفة لإنقاذ البلاد
ما زال الشعب التونسي لديه الأمل ولو ضعيفا جدا في تجاوز المحنة السياسية والرجوع إلى تحكيم العقل لا العاطفة التي جرفتنا إلى سيول من المناوشات والتجاذبات كدنا نغرق فيها أو نحن على شفاها تقريبا، وهو ما عبر عنه كثير من السياسيين والمتابعين في تونس.
ما كدنا ننجو من تعثر سياسي كبير إبّان تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات 2019 حتى جاءنا من يشكك في صدقيتها من خلال توجيه لائحة اتهام لرئيسها السيد إلياس الفخفاخ بشبهات فساد، أهي اللعبة السياسية أو هو المكر السياسي أو هو ما تقتضيه الحالة السياسية اليوم من استجواب أيٍّ كان لشبهات فساد حدثت إبان رئاسته ولا أحد فوق القانون.
لكن هذا التوتر السياسي سينعكس سلبا لا محالة على الوضع الاجتماعي وهو ما شاهدناه فعلا كمثال في تطاوين، وربما تحدث احتجاجات في مناطق أخرى. وبينما يصر رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد على أن الشباب لا بد أن يسهم في العملية الديمقراطية من خلال ما يطرحه من مبادرات يكون هو طرفا فيها، يصرّ المجتمع المدني على الحلول الآنية التي تخرجه من المشاكل التي يعانيها، بينما الحكومة تتخبّط في مشاكل إنقاذ البلاد من إفلاس حقيقي لو استمر الأمر على هذا الحال.
المشهد السياسي مربك إلى حدّ كبير
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل الوقت مناسب جدا الآن لتدوين لائحة سحب الثقة من رئيس الحكومة الذي فرحنا في الأيام الماضية بتشكيلها وبدأت تعمل وبها رموز جيدة استطاعت أن تعمل خلال الفترة الماضية بكل جد ونشاط، أم أن في الأمر شكا وريبة لإبقاء المشهد السياسي في تونس مربكا ومرتبكا إلى جانب اللوائح الأخرى التي رفعها كل من ائتلاف الكرامة والحزب الحر الدستوري، وما مصلحة حزب النهضة من كل ما يحدث في تونس من تغيرات سياسية مفاجئة، أوْ هُو التدبير نحو إفشال حكومة الرئيس التي لم توافق عليها إلا على مضض.
المشهد السياسي التونسي مربك إلى حدّ كبير، وحسب رأيي، فإن حزب النهضة هو المستفيد الأساسي لما يجري في تونس حيث ترى في مساءلة رئيس الحكومة إحراجا له شخصيا، لأنها لم توافق من الأساس على توليه رئاسة الحكومة وإنما جرى الاعتراف به من قبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن وبعد أن تُوجّهَ له رسميا تهمة الفساد التي تحوم حوله وهو مازال إلى حد الآن ينفيها ويتمسك برأيه، فإن العجلة تدور لصالحها بأن تفرض الرجل الذي تريده، وتزداد ثقتها بنفسها حينما تشكل حكومة جديدة بالاتفاق مع قلب تونس الذي طالما تلاحق رئيسه شبهات فساد أيضا، وماذا لو تشكلت حكومة جديدة برئاسة من تحب النهضة وبعدها جاء مِن النواب من يكشف عورتها من جديد، ماذا سنفعل؟
الأحزاب داخل الزجاجة تتناطح
سنظل حتما في دائرة مفرغة ندور وندور ولا نهتدي للمخرج الآمن الذي ينسينا آلام الاختلاف السياسي الشديد والمحرج والمفكّك للحركة الديمقراطية في البلاد.
يبدو أن تونس ليس من السهل أن تخرج من عنق زجاجة الاختلافات الحزبية، وستظل الأحزاب داخل هذه الزجاجة تتناطح وتتصارع حتى تسقط فجأة على الأرض فتنكسر ويسقط جميع من فيها، ولا ينفع حينئذ جبرها، كما قال الشاعر: “إن القلوب إذا تنافر وُدّها … مثل الزجاجة كسرها لا يُجبر”.
وعلى هذا تتحمّل كل الأحزاب مسؤوليتها أمام الله ثم أمام الشعب لأنها لم تستطع التكيّف مع الواقع السياسي الديمقراطيّ الناشئ في تونس، ولم تتآلف سياسيّا رغم الخلافات الأيديولوجية الحادّة بينها والتضارب الكبير في الرؤى والمواقف، وننتظر إلى ما تؤول إليه الأحوال السياسية في تونس في قادم الأيام، وإلا سيكون هناك تدخل رئاسي حازم وحاسم في هذا الأمر، أو تغيير القانون الانتخابي والبحث عن البديل السياسي المهم في هذه الفترة الحرجة، وإلا أيضا سيقع انفجار اجتماعي يصعب جدا السيطرة عليه هذه المرة.
* محلل سياسي.
شارك رأيك