على الاتحاد العام التونسي للشغل أن يدعو الصناديق الاجتماعية إلى إرجاع أموال المواطنين المأمنة لديه (4500 مليار) وإلى فتح ملف الأموال المنهوبة والقروض غير المسددة و التحكم في المصاريف والحد من تضخم الأجور في القطاع والمساواة بين العاملين فيه وبين بقية المضمونين في الحق في الصحة. وعليه أيضا بأن ينادي إلى إجتماع عاجل للنظر في مطالب الأطباء والمواطنين على حد السواء مثل الترفيع في السقف السنوي المضحك من 200 د الى600 د على أقل تقدير وأن يسعى إلى مضاعفة نسبة استرجاع مصاريف العلاج.
بقلم الدكتور علاء الدين سحنون *
كان الاتحاد العام التونسي للشغل، منذ تكوينه سنة 1946 من طرف مناضلين وطنيين كالشهيد فرحات حشاد و الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، مناصرا للشعب والمستضعفين في الداخل والخارج، وتواصل دوره النبيل في عهد الاستقلال، فكان من بين المنظمات الفاعلة في بناء الدولة الوطنية، وقدم أيضا شهداء في الفترة البورقيبية حين أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام في البلاد، وهو ما أدى إلى مواجهات وصدامات في الشارع سقط خلالها العشرات فيما يعرف في اليوميات التونسية بالخميس الأسود، في 26 جانفي 1978، إضافة الى نضالات المكاتب الجهوية في العهد النوفمبري نذكر منها نضالات الحوض المنجمي في 2008 أو الإضراب الجهوي في صفاقس الذي ساهم في تهاوي النظام النوفمبري في جانفي 2011.
لم يحرك الإتّحاد ساكنا أمام بعض ملفات قطاع الصحة
ما بعد الثورة، خلنا فترة الركوع والخنوع قد ولت بدون رجعة، فإن كان من الجانب السياسي للاتحاد دور مفصلي في الحوار الوطني الذي جنب تونس الفوضى فإن في بعض الملفّات الحارقة التي تمس فعلا بمعيشة المواطن وأمنه الصحي والاجتماعي كان الإتحاد وقيادته يتعاملون مع تلك المسائل بكثير من السطحيّة.
كمتابع عن قرب للمسائل الصحية كنت شاهدا على الحالة المزرية التي آلت إليها الصحة العمومية و الصناديق الاجتماعية، فمنذ قرابة العقد من الزمن والحالة من سيئ إلى أسوأ، ولم يحرك الإتّحاد ساكنا، فلربما يكون في هذه الملفات أسرارا لا يجب على العامة الاطلاع عليها.
كم هائل من المغالطات والأكاذيب في بيان الإتحاد
اليوم، وأنا اطالع باستغراب شديد بيان فرع الحماية الاجتماعية للاتحاد العام التونسي للشغل الصادر على إثر انتهاء العلاقة التعاقدية بين أطباء القطاع الخاص والكنام وذلك للتلكؤ في سن اتفاقية تحيي منظومة التأمين على المرض المعطلة منذ 14 سنة، صدمت بالكم الهائل للمغالطات والأكاذيب التي تضمنها هذا البيان و أصبح من الضروري كتابة هاته الأسطر لتنوير الرأي العام حول ما يجري في إدارة الصناديق الاجتماعية ومن ساهم في إفلاسها.
كان كلي أملي ان يذكر البيان مسؤولية الكنام ووزارة الشؤون الاجتماعية في توفير تغطية إجتماعية لائقة لجميع المواطنين، تلك التغطية التي كان من المفروض أن تتماشى مع تزايد مساهمات المواطنين في الصندوق منذ 2006.
الزيادات الدورية في الأتعاب يجب أن تساير الزيادات في الأجور
أوضح : يساهم كل مواطن تونسي في الكنام بنسبة 6.75 ٪ منذ 2006 سنة دخول المنظومة الجديدة حيز التنفيذ بزيادة 3,75 ٪ على النسبة السابقة ( 3٪)، وكانت هذه الزيادة مفروضة على كافة المضمونين الاجتماعيين بغض النظر عن المنظومة العلاجية التي اختاروها، حتى المتقاعدين أصبحوا يساهمون بنسبة 4٪ في منظومة الكنام، وكان الهدف من هاته الزيادة أن يتمتع المواطن باسترجاع مصاريف الخدمات الصحية المسداة في القطاع الخاص وفق اتفاقيات أبرمت بين الصندوق ومسدي الخدمات الصحية والتي تنص صراحة على ارتفاع نسبة التغطية بتطور موارد الصندوق كل 3 سنوات، وفي ذلك اعتراف ضمني بشرعية الزيادات الدورية في الأتعاب التي تساير الزيادات في الأجور والتضخم لكن ما حصل فيما بعد كان مخالف لكل التوقعات.
تحيل و تحويل وجهة
منذ 2006 ومساهمات المواطنين في الكنام في تزايد مستمر فهي تضاعفت في 12 سنة لكن التغطية لم تتبع نفس النسق بل جمدت بسقف 200د سنويا و استرجاع 18 د لعيادة الطب العائلة و 30د لطب الاختصاص وعدد قليل من الاعمال الطبية المتكفل بها، وهذا مخالف لكل الاتفاقيات المبرمة، ورغم هذا التعدي الصارخ على المقدرة الشرائية للمواطن الذي يشهد تزايدا مستمرا في المبالغ المخصصة للعلاج والتي تجاوزت الحد الكارثي الذي تحدده المنظمة العالمية للصحة ب 40 % من ميزانية العائلة فبقي الاتحاد العام التونسي للشغل صامتا عن هذا الوضع… لماذا؟؟
أين وجّهت أموال المواطنين التي ضمنها لصحته لدى الكنام ؟؟
لماذا تشكوا الكنام من عجز ب3000 مليون دينار وفي نفس الوقت، لو احتسبنا المساهمات المقتطعة من أجور المواطنين ومساهمات الخواص، يكون الصندوق لديه فائض ب 1500 مليون دينار ؟؟
لماذا هذا التلاعب بصحة المواطن بتدمير المستشفيات وغياب السيولة عن الصيدلية المركزية مما أدى إلى فقدان الأدوية الأساسية؟؟
هل أصدر الاتحاد بيانا في هذا الصدد؟؟
أليس الساكت على الحق شيطان أخرس؟؟
الإجابة على كل هذه الأسئلة تعود إلى تحويل وجهة المساهمات المخصصة للصحة 6.75 ٪ من جملة الاقتطاعات التي يساهم بها المواطن والمؤجر والمهن الحرة لتغطية العجز في الصناديق الاجتماعية في صرف الجرايات للمتقاعدين والتغطية.
هذا سوء تصرف مزمن وتحيل على المواطن، فحسب تصريح الرئيس المدير العام السابق للكنام بلغ مبلغ المساهمات المقتطعة ولم تصل الى صندوق التأمين على المرض 4500 مليون دينار وطالب الصناديق الاجتماعية بأن تحيل هذه الاموال للكنام فتم اعفاؤه بعد ثلاث أيام من هذا التصريح؟؟؟
لماذا وصلنا إلى هذا الحد ولما سكت الاتحاد عن كل هذه التجاوزات؟؟
إمتيازات ومنافع يدفع ثمنها المضمون الاجتماعي
يجب أن نعود إلى أكثر من 30 سنة حين كان عدد المتقاعدين ضئيلا وكانت الصناديق غنية ففي كافة أنظمة التغطية الاجتماعية في العالم تستثمر الصناديق عوائدها في مشاريع ربحيّة في الأسواق المالية او في العقارات تحسبا ليوم كهذا حيث يتجاوز الإنفاق على المتقاعدين نسبة المساهمات.
ما حدث في تونس كان عكس ذلك تماما و سأسرد لكم شهادة مسؤول سابق كان قد أُبعد من منصبه في التسعينات بعد ما نبه بالكارثة التي نعيشها اليوم، فقد أخبرني أن النظام النوفمبري كان يستغل الفائض في الصناديق حينها لتوزيع الغنائم على المقربين والموالين بمباركة من القيادات، فتمتع المنتمين للقطاع في نفس الوقت بامتيازات هائلة مازالت إلى اليوم.
كل هذا البذخ صرف من مساهمات المواطنين طيلة عقود، ولعل أبرز مظهر من مظاهر البذخ هي أولا رواتب العاملين بالصناديق التي تصل إلى أضعاف رواتب المنتسبين إلى قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم… وأذكر أن هذه الرواتب والامتيازات تصرف من ميزانية الصناديق، المتمثلة في مساهمات المواطنين، ثانيا العقارات مبنية من مساهمات المواطنين (عمارات CNSS et CNRPS) والتي يتم تأجيرها إلى الآن باسوام بخسة لمن؟؟… فحسب محدثي (المسؤول السابق بالصندوق) تكون الصناديق رابحة إن تم الاستغناء بالمجّان عن هاته العمارات للكلفة الباهظة الصيانة والحراسة.
إضافة إلى ذلك أذكر ان منتسبي الجامعة العامة للضمان الاجتماعي وهم موظفو الصناديق الاجتماعية لا يتمتعون بالسقف السنوي 200 بل بعشرة أضعاف ذلك وليس لديهم أي تعريفة مرجعية يعني عملية ب 10000 د مثلا تسترجع كاملة بدون سقف أو تأخير.
هل بسبب هذه الامتيازات والمنافع تم التخلي عليك أيها المواطن المسلوب ؟
لكي لا نترحم على الاتحاد عليه أن يدعو الصناديق الاجتماعية إلى إرجاع أموال المواطنين المأمنة لديه (4500 مليار) وإلى فتح ملف الأموال المنهوبة والقروض غير المسددة و التحكم في المصاريف والحد من تضخم الأجور في القطاع والمساواة بين العاملين فيه وبين بقية المضمونين في الحق في الصحة. وعليه أيضا بأن ينادي إلى إجتماع عاجل للنظر في مطالب الأطباء والمواطنين على حد السواء مثل الترفيع في السقف السنوي المضحك من 200 د الى600 د على أقل تقدير وأن يسعى إلى مضاعفة نسبة استرجاع مصاريف العلاج وأيضا عليه أن يدعوا وزارة الصحة إلى توسعة قوائم الأمراض المزمنة وقوائم العمليات الجراحية والأعمال الطبية التي يتكفل بها الصندوق والترفيع في نسبة استرجاع مصاريف العلاج المجمدة منذ 15 سنة ما سبق هي مطالب الأطباء الخواص لإنقاذ منظومة التأمين على المرض وليس كما صور للرأي العام …
* طبيب و ناشط بالمجتمع المدني.
شارك رأيك