التقرير نصف السنوي لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان صدر تحت عنوان “مخاض الانتقال الديمقراطي، حكم العسكر وصراع أروقة المؤتمرات” ويطرح أسئلة عن ثلاث دول بسياقات مختلفة، وهي تونس و مصر و ليبيا، لكنها، رغم اختلافها، انطلقت من رحم الثورات الشعبية المطالبة بالتحرر.
رغم أسئلة التقرير المنفصلة، إلا أنه يهدف للربط بين تجارب تتشابه لجهة إمكانية الإستفادة من الخبرات المتراكمة، للدفاع عن أمل الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.
هل الإنتقال الديمقراطي في تونس دائم؟
رغم مكاسب مسار الإنتقال الديمقراطي خاصة بدستور 2014 وضمانات حقوق الإنسان وحرية التعبير، شهد هذا المسار توترات كبرى بسبب تسييس جميع مراحله. لم يتم تركيز أهم الهيئات والمؤسسات وخاصة المحكمة الدستورية التي كان من المفترض ان ترى النور خلال سنة من الانتخابات التشريعية لسنة 2014. فيما طغت مفاوضات الحكومات خلال فترة الرصد على ملامح المسار الإنتقالي وصعوباته.
لم تعرف تونس حكومة قادرة على تحقيق ما يُعبَر عنه بالإنتقال الثاني، حيث لم تنجح أية حكومة في إنهاء المسار في اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية التي تضمن استقرار النظام الجديد.
أما على مستوى حقوق الإنسان، تواجه الأخيرة واقعًا صعبًا يمنع تأصيلها كممارسة مُصانة مؤسسيًا ومحترمة مجتمعيًا.
هل مازال ممكنًا الحديث عن انتقال ديمقراطي في مصر أم هو انتقال نحو الدكتاتورية؟
عمل النظام المصري في عهد السيسي على تركيز هيمنته عبر أدوات الدستور والقانون. ساهمت تعديلات الدستور سنة 2019 في التمهيد لبقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الى سنة 2030. فيما انطلقت منذ بداية الدورة الخامسة لمجلس النواب المصري تنقيحات القوانين المؤطرة للإنتخابات التشريعية المزمع إجراؤها آواخر سنة 2020. وهي تمهد لإقصاء المعارضين والأحزاب لصالح أنصار النظام.
في الأثناء، تهيمن السلطة التنفيذية بمختلف أذرعها على بقية السلطات، خاصة القضاء. أصبحت نيابة أمن الدولة في مصر أداة لحبس المناضلين وتجديد حبسهم كما تتغاضى على حالات التعذيب والإختفاء القسري والإهمال الطبي، فيما اختارت النيابة العامة لعب دور الوصي على الأخلاق دون احترام للحريات الفردية.
على مستوى آخر، يُسيطر نظام السيسي على الإعلام في مصر قصد الترويج لصورة الزعيم والقائد.
هل ليبيا لليبيين أم غنيمة للدول الأجنبية؟
تواصل الصراع العسكري بين الليبيين مع تسويف وتأجيل والتفاف على مسارات التفاوض برعاية أممية. مثلت المعارك على أسوار طرابلس دليلًا على عمق الخلاف الليبي-الليبي الذي اخترق نسيج المجتمع. فلم تفلح أية اجتماعات مجالس قبلية في رأب الصدع السياسي، في حين فشلت كافة المساعي والمبادرات الإقليمية والدولية، وأصبحت مؤسسات الدولة أداة للصراع كحقول النفط ومحطات الكهرباء والماء.
هيمنت الجماعات المسلحة ميدانيًا وفرضت الأجندات السياسية بالتوازي مع تطور دور روسيا وتركيا وخلفهما عدة دول أخرى، ضمن سياسة محاور تتجاوز صالح الليبيين ومستقبلهم.
من حيث تبني تونس مسارها على مؤسسات ونصوص وتجارب نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، تمر مصر بفترة يُستغل فيها كل ذلك لصالح نظام قمعي يتخلل جميع تفاصيل حياة المصريين، أما هاجس الشعب الليبي فهو استعادة مسار إنتقالي أربكه الصراع العسكري ونفوذ المصالح الدولية.
على هذا الأساس، من الضروري الدفاع عن المُشترك الذي أسست له نضالات وثورات المواطنات والمواطنين (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية)، من أجل نموذج انتقالي يطوي صفحة من التاريخ ويبدأ أخرى.
شارك رأيك