مازالت الديمقراطية في تونس تتأرجح وتذهب نحو المجهول مرة أخرى بعد أن ظهرت بوادر انشقاق في حكومة الفخفاخ، وما زالت حركة النهضة تلعب دور اللاعب الأساسي في هذه الحكومة وتضغط من جميع الزوايا حتى تُدخل فيها حزب قلب تونس وهو ما يرفضه قطعا رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد، وجاءت شبهات الفساد التي تلاحق رئيس الحكومة السيد إلياس الفخفاخ لتزيد الطين بلة ولترجع حركة الحكومة إلى نقطة الصفر وهو ما تلعب عليه حركة النهضة لابتزازه سياسيا إما بتوسيع الحكومة أو بتقديم استقالته، وإذا استجاب الفخفاخ لنداء النهضة فإنه سيقع حتما في صدام مع رئيس الجمهورية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
هذه اللخبطة السياسية إن صح التعبير هي أقل ما يقال اليوم في ممارسة الأحزاب السياسية في تونس للعمل البرلماني، أولا لأنها أحزاب متعددة وكثيرة في برلمان صغير، وثانيا للتعارض الجوهري بينها كحزب الحر الدستوري بزعامة عبير موسي وغيره من الأحزاب التي ترفض التعامل مع النهضة مطلقا، لذلك سيبقى الجدال السياسي العقيم متواصلا في البرلمان التونسي إلى حين حلّه قانونيا أو انتظار انتهاء فترته واستبداله بآخر.
مناخ سياسي متوتر إلى حد كبير
لكن الملاحظ أن الرئاسات الثلاث اليوم تتعرض لانتقادات شديدة من كل التيارات الفكرية والسياسية والحزبية مما يجعل المناخ السياسي في تونس متوترا إلى حد كبير، فالفخفاخ على رأس قائمة التوتر بعد أن حامت حوله شبهات فساد كبيرة إثر الصفقة التي حصلت عليها مؤسسة يملك حصة في رأسمالها وقيمتها 44 مليون دينار تونسي، ومازال القضاء جاريا للبحث في هذه القضية، وحتى يقول القضاء كلمته فإن حركة النهضة استغلت الموقف سياسيا لتبتزه وتحاول فرض سيطرتها عليه ولتجعله في موقف محرج مع رئيس الجمهورية الذي عينه ويختلف مع النهضة في عدة اتجاهات، من خلال فرض حزب قلب تونس في توسعة الحكومة، فهل ستفعلها حركة النهضة أم أنها ستصطدم بعقبات أخرى في طريقها؟
أما السيد راشد الغنوشي رئيس البرلمان فيواجه موجات من الانتقاد بحكم ثروته التي بلغت الآفاق، واتهموه أيضا بشبهات فساد، ويريد التونسيون خاصة المعادون له أن يعرفوا مصدرها وطريقة الحصول عليها، وهل تم ذلك بطرق قانونية أم بطرق أخرى ووسائل غير مشروعة، كما يواجه تهمة أخرى وجهها إليه الحزب الدستوري الحر وهي تهمة الإنتماء لحركة الإخوان المسلمين التي صارت تعتبر منظمة إرهابية في عديد من بلدان العالم، وتريد عبير موسي من خلال تصديق البرلمان على لائحة اعتبار الإخوان منظمة إرهابية أن تقصي الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة من رئاسة البرلمان ثم محاكمته مرة أخرى على ما قام به طوال الفترات السابقة من تجاوزات حسب زعمها، فهل تقدر عبير موسي على الإيقاع بالشيخ راشد الغنوشي وتأكيد الشبهات التي تحوم حوله، أم أنه سيخرج منتصرا ويبقى في البرلمان إلى حين نهاية فترته؟
الرئيس قيس سعيد مستهدف من الإسلاميين و حلفائهم
بينما يتعرض السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية إلى انتقادات حادة في تعامله مع ملفات عدة، أبرزها ملفات الفساد التي لم تؤت أكلها إلى اليوم، ولم يشعر الشعب التونسي أن هناك تحوّلا حقيقيا في الحياة الاجتماعية أو حتى انفراجا ولو طفيفا في الحياة اليومية للمواطن، لذلك قام المواطنون في كل من تطاوين ورمادة بالاحتجاج للتعبير عن الخصاصة التي يعانون منها بعد أن تم إغلاق الحدود بين الدولة التونسية وليبيا رسميا، وانتهت التجارة البينية وتهريب السلع التونسية، وحاولت بعض الأحزاب حينئذ التشويش على الأمن في تونس ومحاولة زج الجيش التونسي والأمن في هذه الصراعات السياسية وخلق الفوضى في البلاد وهو ما حذر منه رئيس الجمهورية في اجتماعه الأخير مع الجهات الأمنية والجيش.
كما واجه السيد قيس سعيّد ومازال يواجه انتقادات بخصوص موقفه من الحرب الدائرة في ليبيا وتصريحه الأخير في فرنسا عن الحالة الليبية الذي لم يرض أنصار فايز السراج و التدخل التركي، فأعداء الرئيس يترصدون كل حركة يقوم بها وكل قول يقوله، حتى يجدوا الفُرج التي منها ينفذون ويبثون منها السموم.
ومن هنا يتجلى جليا الوضع المتوتر في تونس والمناخ السياسي المكهرب الذي يبدو أن لا حل له في الأفق إلا بتغيير النظام إلى رئاسي أو بحل البرلمان والاتجاه إلى استفتاء شعبي وتغيير القانون الانتخابي للتقليص من عدد الأحزاب والحزيبات السياسية التي لا فائدة من وجودها في البرلمان ولا يصدر عنها سوى الصياح والنقيع. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
* محلل سياسي.
شارك رأيك