“السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة” و الفعل الديمقراطي السليم يقتضي التداول على المهام في الحزب و في الدولة وفي أي مؤسسة، البقاء في السلطة لفترة طويلة يولد الاحتكاك و الاحتراق و الاختراق… ذاك هو وضع النهضة اليوم، حركة مقبلة على مؤتمر و تحولات عميقة في هيكلها و تركيبتها، بدء برأسها الذي هو رئيس البرلمان الحالي، ما عسى أن تكون وضعية رئيس البرلمان الحالي إذا إختارت النهضة أن تكون في المعارضة أو دُفعت إليها؟
بقلم توفيق زعفوري *
الحراك السياسي المتلاطم و المتموّج، في الحكومة و في الأحزاب،’ له ما بعده، بعدما تبين الخصوم موقف مؤسسة الرئاسة، لا حكومة جديدة… إذن مع أول وقوف لإلياس الفخفاخ على قدميه بعد القصف المركّز و المتتالي في القصبة على خلفية ملف تضارب المصالح، أول رد فعل و أول “قرصة” تأتي من داخل الحكومة ذاتها و التلويح لتغيير جزئي يهم وزراء النهضة أساسا، دون تعويضهم حتى لا يكون مضطرا للذهاب إلى باردو و نيل الثقة، وهو يدرك حتما أنها ستسقط في أول إختبار اذا ما إتبع المسار الدستوري، دون أن ننسى أن البرلمان سيدخل في عطلة برلمانية حتى سبتمبر وهو ما يعني مواصلة العمل في الوزارات المعنية بالتغيير حتى يقول القضاء كلمته فى الملف…
النهضة ليست في أفضل حالاتها وهي ذاهبة إلى مؤتمرها القادم
يبدو أن السيد عبد اللطيف المكي غير راض عن تمشي الحركة ولا على خيارات رئيسها، و يرفض العمل خارج وزارة الصحة، و يقول أن لديه برنامجا إصلاحيا وعليه أن يعمل على إنجازه، و أن تلاسناً حادّا وقع بينه و بين نور الدين البحيري على خلفية التزام وزراء النهضة بقرارات مجلس الشورى كادت أن تتحول إلى تشابك بالأيدي…
لا يبدو أن النهضة في أفضل حالاتها رغم التلويح لانصارها أنها في وضع أمثل، البارحة محمد عبو كان أكثر وضوحا في اتهامها بالفساد و التحالف مع الفاسدين و أن لها ملفات من الحجم الثقيل ستكشف الأيام القادمة عنها، و قد أحال البعض منها فعلا إلى القضاء، محمّلا إياه المسؤولية، و داعيا إياه إلى سرعة البت فيها.
محمد عبو أو التيار الديمقراطي يبدو أكثر صلابة في وجه العاصفة، و يتحوّز على أهم الملفات و الموقف من الحكومة واضح، إن التيار و الكتلة الديمقراطية مع الحكومة و في الحكومة مادام القضاء لم يدينها، و ما دام التحقيق في شبهة تضارب المصالح مازال مفتوحا، أما أن تختار النهضة اتهام الفخفاخ قبل صدور نتائج التحقيق و التموقع مع حلفائها في حكومة موازية بديلة، فذاك شأنها، هي مسؤولة في ذلك على تأزيم الوضع المتأزّم أصلا.
سلوك النهضة التمعالي المكابر، لا يخدم مصلحة تونس في شيء و المصالحة الوطنية الشاملة التي تدعو إليها هي مجرد ذر رماد في العيون و حلحلة الأوضاع على قاعدة لا غالب و لا مغلوب، لم تعد تصلح لفك شيفرة الأزمات التي تعاني منها البلاد، و الذهاب أو التلويح بالذهاب إلى انتخابات مبكرة هو مجازفة لا أحد في تونس مستعد لذلك سياسيا و لوجيستيا و ماديا…
النهضة لا تتقن سوى المساومات والمقايضات والبيع والشراء
التحوير المزمع إجراؤه في تركيبة الحكومة كان حتما بإيعاز من رئيس الدولة، و هو تحوير يستثني وزيرا الصحة عبد اللطيف المكي والشؤون المحلية لطفي زيتون كونهما من داعمي الإستقرار الحكومي، الذي طالما نادت به النهضة، ولكن عبر إشراك قلب تونس في الحكومة، لكن لا تجري الرياح بما تشتهيه النهضة، و لكن بما تشتهيه المصلحة الوطنية العليا للبلاد، لو صحّ فعلا إستثناء الوزيرين سالفي الذكر من التحوير، سيكون ذلك بمثابة شق صفوف النهضة المبعثرة أصلا و زيادة في إرباك الحزب قبيل مؤتمره الحادي عشر…
النهضة لا تبدو صلبة و مستقرة كما يُسوّق لها أنصارها، و إن غدا لناظره قريب، و عسى أن تكرهوا المعارضة، أيها الغسلاميون، وهي خير لكم لأنها مكانكم الطبيعي فأنتم تفتقدون لخبرة تسيير دواليب الدولة والإدارة ولا تتقنون سوى المساومات والمقايضات والبيع والشراء…
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك