المشهد السياسي التونسي الحالي مخيف، فرغم أن تونس تعيش بعد 2011 في وضع ديمقراطي، ولكننا لم نستطع إلى حد الآن بلورة هذا المسار في منهج عمل واضح يؤلف بين الأحزاب السياسية وتجمعهم الألفة الوطنية، ولم نستطع المحافظة عليها كما أراد الشعب التونسي واستغلتها بعض الأحزاب، و خاصة حركة النهضة الإسلامية، لتدوير العمل السياسي دون البحث في النقاط الجوهرية والأساسية التي تمس الشعب مباشرة وبقيت تتطور إلى الأخطر وإلى المجهول.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
أرادت حركة النهضة ليّ ذراع رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد من خلال تهديدها بسحب وزرائها من الحكومة برئاسة السيد إلياس الفخفاخ أو الاتجاه إلى تشكيل حكومة جديدة أو بديلة كما يسمونها، ولكن رئيس الجمهورية التونسية كان واضحا وصريحا في الرد عليها وهو أن لا مشاورات جديدة مادام رئيس الحكومة على رأس عمله ولم يستقل، وأنه غير مستعد للرضوخ لأي ابتزاز أو مساومات من أي جهة كانت.
وعلى هذا تبقى الأزمة قائمة على مستوى الرئاسات الثلاث حتى تنفرج إما باستقالة الفخفاخ أو بإقالته إن صح التعبير بعد توجيه لائحة لوم بحقه إن ثبت القضاء اتهامه، و سحب الثقة منه كرئيس للحكومة، ويبقى السجال قائما إلى حين في ظل ظروف أمنية حسّاسة وظروف اقتصادية صعبة للغاية وظروف اجتماعية قاسية، فإلى متى ستظل هذه السجالات السياسية قائمة؟ ومتى يكون الحل نهائيا؟ ومتى تخرج تونس من عنق الزجاجة بأقل الأضرار الممكنة؟
النهضة تلعب دور المراوغ الكبير في الحياة السياسية
ولكن المراقب للحالة التونسية اليوم وما تعيشه من مأزق حقيقي، يرى أن حركة النهضة تلعب دور المراوغ الكبير في الحياة السياسية، وتعمل على زعزعة الاستقرار ولم تستغل الفرص المتاحة لها منذ 2011 لقيادة الشعب التونسي إلى بر الأمان، ذلك أن الحركة تريد من خلال ضغطها على المشهد السياسي أن تديره وفق رؤيتها الخاصة المصلحية الضيقة التي لا يستفيد منها عامة الشعب، بل تستفيد منها الحركة كحزب سياسي له دوره في العمل الحزبي وثقله في جميع الجهات وفي كامل البلاد رغم تناقصه وانكماشه تدريجيا.
ورغم أن النهضة لم تقدم شيئا ملموسا على الأرض ولم تغير الواقع المأساوي على مستوى التشغيل والتنمية إلا أنها تحاول أن تبرز كقوة مسيطرة على الكل رغم أنها لا تبوح بذلك للكل، ورغم أنها تظهر في كثير من الأحيان بمظهر المتعاون مع أي كان، حتى مع الفاسدين الذين ذكرت أنهم فاسدون من قبل ولا تضع يدها في أيديهم حتى لا تتلوث، ولكنها قبلت بالتلون كيفما شاءت في حركة دائرية حتى تبقي المشهد السياسي التونسي في حالة من التوتر وتجعل الآخر هو من يفسد حركة اللعب وتبقى هي خارج الحلبة تتفرج.
وفي الوقت نفسه تريد أن تكسر شوكة رئيس الجمهورية من خلال ما تفرضه عليه من واقع جديد، وتجعله أمام حلول ضيقة جدا، وتجبره على اختيار ما تريد، لكن الرجل له خبرة قانونية ودستورية ومتمكن من القانون التونسي وحتى الدولي، يعرف كيف يواجه هذه المآزق السياسية بروح وثابة ومعطاءة، وقد بدا في اجتماعه مع رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل غاضبا جدا مما فعلته النهضة وما تُقدم عليه من خيارات صعبة في ظرف كهذا الذي تعيشه تونس اليوم، وأبدى مقاومة شديدة للذي يجري في الغرف المظلمة ومن وراء ستار أو حجاب، وأظهر حزما وحسما لموضوع طالما تحدته فيه النهضة بكل قوتها وبكل ضجيج إعلامي صاخب يمكن أن يؤثر على المدى الطويل على المؤسسات التونسية ويضعفها ككيان بني قويا وبدأ يضعف تدريجيا.
إبعاد حركة النهضة عن السيطرة كليا على المشهد السياسي
وأمام هذه التحديات الجديدة وبعد أن تم رفع ملف رئيس الحكومة للنيابة العامة والنظر فيه بعمق وانتظار ما تسفر عنه شبهات الفساد، تبقى الحكومة قائمة في نظر رئيس الجمهورية ولا مساس برئيس الحكومة وتبقى على رأس عملها إلى أن تظهر معطيات جديدة على الأرض تغير المشهد السياسي برمته.
الأيام المقبلة كفيلة بالجواب على كثير من الأسئلة عن الحالة التي وصل إليها الحكم السياسي في تونس، وبدا واضحا ولزاما على الشعب أن يتحرك للخروج من الأزمة والمطالبة بتغيير النظام إلى نظام رئاسي، يقود فيه تونس رجل واحد بدل ثلاثة بالتشاور مع جهات متعددة منها البرلمان والحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل وغيرها من المؤسسات التي ينبغي مشاورتها وأخذ رأيها في كثير من المشاكل وإبداء الحلول المناسبة، وإبعاد حركة النهضة شيئا فشيئا عن السيطرة كليا على المشهد السياسي واعتمادها على الحلول الهشة.
ما نقرأه في المشهد السياسي التونسي مخيف ومخيف جدا، فرغم أن تونس عاشت ديمقراطية بعد 2011، ولكننا لم نستطع إلى حد الآن بلورة هذه الديمقراطية في منهج عمل واضح يؤلف بين الأحزاب السياسية وتجمعهم الألفة الوطنية، ولم نستطع المحافظة عليها كما أراد الشعب التونسي واستغلتها بعض الأحزاب لتدوير العمل السياسي دون البحث في النقاط الجوهرية والأساسية التي تمس الشعب مباشرة وبقيت تتطور إلى الأخطر وإلى المجهول مما يعزز نظرية الصدام بين الشعب والجيش والأمن.
* محلل سياسي.
شارك رأيك