لم يحدث في تاريخ تونس المعاصر أن وصلنا إلى مثل المفارقات و فوضى المفاهيم والعبث السياسي الذي نعيشه منذ انتخابات 2019 إلا في حالات نادرة جدا (أواخر عهد بورقيبة و سنوات الديكتاتورية )… لكن الواضح أن رؤوسا كثيرة ستسقط بشبهة فساد أو بعريضة سحب ثقة.
بقلم توفيق زعفوري *
الساحة السياسية في تونس مفتوحة على جميع الإحتمالات والمتناقضات، ومن المضحكات المبكيات، إنشغال حزب قلب تونس بالصراع المحموم و التجاذبات و المناكفات بين القصبة و مكوناتها ومونبليزير و أحوازها، و الغريب أن المكتب السياسي لحزب قلب تونس يعبر في بيان صدر عنه أمس، الثلاثاء 14 جويلية 2020، عن إنشغاله العميق لما آلت إليه الأوضاع داخل الإئتلاف الحكومي متناسيا أنه هو السبب أيضا فيما يحدث من تفجير و فرقعة بسبب إصرار حركة النهضة، حليفه اليميني، على زرعه في قلب القصبة، ثم كلف رئيس الحزب، نبيل القروي، بمتابعة الأوضاع والتوسط لتقريب وجهات النظر، و التشاور مع الأطراف المتنازعة والقيام بالمبادرات الضرورية لحل الإشكالات العالقة بين رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ و حزب حركة النهضة…
حزب في المعارضة يتوسط بين حلفاء في الحكومة !
و أنا أقرأ هذ البيان خلت نفسي أتابع تفاصيل الأزمة في ليبيا بين حكومة فايز السراج و قائد الجيش الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، لكننا مازلنا هنا… نعم السيد نبيل القروي هو الوسيط بين النهضة و بين إلياس الفخفاخ الذي رفض دخوله للحكومة، فيا للعجب !!
من المضحكات، أن يكون حزب في المعارضة يتوسط بين حلفاء في الحكومة من أجل إيجاد حل و المصالحة بينهم، هذه ماركة تونسية مسجلة!!
و من أجل حلحلة الأوضاع و الدفع باتجاه اختراق ما و حتى لا يُحسب على أي طرف أنه المعطّل و المعرقل، فإن كلاهما سيكون مضطرا للجلوس إلى نبيل القروي و لا يمكنه رفض الاستماع إليه… وهذا الاعتراف هو بالضبط ما يبحث عنه رئيس قلب تونس الذي يجرجر ملاحقات قضائية في قضايا فساد مالي و تبييض أموال…
رؤوس أخرى ستسقط بشبهة فساد أو بعريضة سحب ثقة
لم يحدث في تاريخ تونس المعاصر أن وصلنا إلى مثل هذه المفارقات و هذا العبث السياسي إلا في حالات نادرة جدا (أواخر عهد بورقيبة، و سنوات الديكتاتورية ) كانت نتائجها إغتيالات سياسية أحدها في عيد الجمهورية يوم 25 جويلية 2013 (النائب اليساري محمد البراهمي)…
مهما يكن من أمر القروي و مشاوراته و حتى مناوراته، فإن ذلك لن يوقف إجراءات سحب الثقة من رئيس البرلمان، رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، كما أنه لن يوقف أيضا التحقيق في شبهة تضارب المصالح المتعلقة برئيس الحكومة، لكن الواضح أن رؤوسا أخرى قد تتساقط و تتطاير بشبهة فساد أو بسحب ثقة، فكلاهما أغرق البلاد و العباد في أتون أزمة خانقة سياسية و إقتصادية، و إجتماعية و أمنية…
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك