في قراءته للمشهد السياسي الحالي، قام عدنان منصر المؤرخ و الأستاذ المحاضر بكلية الآداب و العلوم الانسانية بسوسة (و رئيس مكتب الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) بتحليل حول المعركة غير المتوازنة ببن حركة النهضة و حليفيها، حزب قلب تونس و ائتلاف الكرامة من جهة، و رئاسة الجمهورية و من معه من نواة صلبة في القصبة و قوى أخرى من الوزن الثقيل كاتحاد الشغل و الاعلام… و يضع عدنان منصر النهضة أمام مسؤوليتها إن تمت إعادة الإنتخابات التي تقول، وفق استطلاعات الرأي في نوايا التصويت التشريعية، بأن الحزب الدستوري الحر سيتفوق و هذا سيكون له عواقب وخيمة على الحركة.
بقلم عدنان منصر *
أتفهم جيدا حرص قيادة النهضة على تصوير استقالة الفخفاخ كانتصار سياسي مهم لدى أنصارها. هذا معقول ومتوقع في السياسة إجمالا، وفي حرب المواقع التي نعيش على وقعها منذ أشهر. ما أدركه وتدركه الكثير من تلك القيادات، وعدد هام من المتابعين، أن حقيقة الأمور مختلفة كثيرا عن الصورة الوردية التي يراد ترسيخها كحقيقة وكواقع. الأمر ليس ورديا مطلقا، ذلك أن “حلاوة” ذلك “الإنتصار” سرعان ماذابت في خضم انفتاح جبهات جديدة، ومع جهات عديدة.
بين النهضة والرئاسة: عناصر معركة غير متوازنة
كل المتابعين الجديين يعرفون على وجه الدقة أن هناك معركة بين رئيس النهضة ورئيس المجلس، بصفتيه، مع رئاسة الجمهورية، وأن المعركة مع رئيس الحكومة لم يكن مقصودا بها رئيس الحكومة فقط: كان الفخفاخ مرشح الرئيس، وقد التزم في تشكيل الحكومة بما أراده الرئيس، وفي رفض توسيعها بموقف الرئيس، وحتى تقديم استقالته بطريقة تعيد “الأمانة” لأصحابها كانت بطلب من الرئيس. من لا يريد أن يرى ذلك، هو مجرد أعمى.
لنأخذ الأمر من الجهة الأخرى الآن: إصرار كتلة النهضة وحليفيها على إسقاط الحكومة كان معناه إسقاط حكومة الرئيس، الإتهامات بالفساد ضد رئيس الحكومة كان معناها أيضا اتهام الرئيس بالتستر على الفساد، وأخيرا الإصرار على عقد جلسة لسحب الثقة من رئيس الحكومة رغم استقالته، إصرار على نزع ورقة التكليف من الرئيس، وهو ما يعني أيضا، حسب ما يمنحه الدستور من صلاحيات للسلطات، وحسب التجربة، رغبة في تهميش الرئيس.
طيب، السؤال الآن هو التالي: ماذا يملك السيد رئيس المجلس (في خضم المعركة الشرسة داخل المجلس) من أوراق تسمح له بالعودة للتحكم في تعيين رئيس الحكومة، وماذا يملك رئيس الجمهورية؟ التوازن مفقود بصفة كلية ! تملك النهضة حليفين لا يستطيعان تحقيق ما يريده رئيسها في المجلس، ولا تستطيع هي الحكم معهما بانفراد. في سياق إقليمي صعب، وجبهات داخلية كثيرة مفتوحة عليها في نفس الوقت، الوضع حرج والطوق يزداد ضيقا.
رئيس الجمهورية لن يفرط في ورقة التكليف أبدا
ليس رئيس الجمهورية مجرد مكلف بتأويل الدستور، أو ساعي بريد بين السلطات، على الأقل من ناحية واقعية. ظهر ذلك في مناسبات عديدة، وقد حرص، بالصورة والخطاب، على تحصين موقعه باستمرار. لن يفرط رئيس الجمهورية في ورقة التكليف أبدا، لأن ذلك يعني تهميشه مجددا والبقاء في ركن مهجور طيلة ما بقي من العهدة، أي أكثر من أربع سنوات. تعيين الشخصية الأقدر سيخضع أساسا لهذا العنصر.
سياسيا، التحالف القوي بين الرئاسة واتحاد الشغل، والنواة الصلبة للحكومة المستقيلة ( مع معظم الإعلام الذي أصبح فجأة يقدس الرئاسة) هو تحالف قاتل ! إذا أضفت لذلك تعطيل البرلمان من قبل الحزب الفاشي، ومنعه من إنجاز أي مهمة في المدى المنظور، مع تقدم الحزب الفاشي في استطلاعات الرأي وتفوقه في نوايا التصويت التشريعية لأول مرة على النهضة، سيجعل التفكير في إعادة الإنتخابات أمرا وخيم العواقب على النهضة بدرجة أولى. هناك ما قبل هذه الإستطلاعات وما بعدها بغض النظر عن مصداقيتها، وهناك ما قبل سقوط الحكومة وما بعده أيضا.
هذه عناصر المعركة غير المتوازنة. هناك عامل آخر خطير لم ينتبه إليه الكثير: الفقرة الأخيرة من بيان استقالة رئيس الحكومة التي يبدو أنها تعبر عن موقف الرئيس مما يجري في الكامور على وجه الدقة، بكل خطورة التحذير الذي ورد في تلك النقطة. هناك، منذ البارحة، انسحاب هياكل اتحاد الشغل بصفة رسمية من المشاركة في تأطير الاحتجاجات هناك. أترك للفطنين استخلاص ما يجب من النقطتين !
- رئيس مكتب رئيس الجمهورية التونسية الأسبق المنصف المرزوقي.
شارك رأيك