جوهر المعضلة التي يعاني منها الشعب التونسي والمتمثلة في إفلاس من يوصفون، كذبا وبهتانا ب “المتدينين” وما هم إلا تجار دين و”المتعففين” وما هم إلا دعاة رذيلة و الكثير من “الحداثيين” وما هم إلا “تياسة” للظلاميين.
بقلم مصطفى عطية *
ماذا يحدث تحديدا في البلاد ؟ السؤال يطرحه يوميا وبكل مرارة وحيرة المواطن التونسي العادي ! فهذه طبقة سياسية تتصارع حول قضايا وهمية وتطرح مسائل هامشية وتتغنى بشعارات فضفاضة، وهؤلاء نواب شعب يقولون ما لا يفعلون ويناقشون قوانين لا علاقة لها بٱهتمامات الشعب الذي قيل أنه إنتخبهم ليمثلونه ويتبنون مشاغله ومطالبه، وبعضهم يمجد الإرهاب ويدافع عن مقارباته ويبيض جرائمه وسط سيل عارم من السباب والشتائم والألفاظ النابية والمصطلحات السوقية المبتذلة.
كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة متواصل في بلد على حافة الإفلاس
أما الحكومة التي علق عليها جميع المواطنين آمالا عريضة بعد أن رفعت شعارات الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد والتصدي للإرهاب والعناية بالفئات الضعيفة، فقد سقطت في مستنقع تضارب المصالح والحسابات الضيقة ومنطق “الأقربون أولى بالمعروف” !!
يحدث كل هذا وتقارير المؤسسات الدولية المختصة تحذر من إفلاس الدولة وٱنسداد الأفق أمام الإصلاح، ومع ذلك يوجد من يصعد المنابر للقول بإصرار أن “البلد يسير في الطريق السليم”!
إنه ضرب من الكذب والزيف والمغالطة والإلتفاف على الحقيقة، وشكل من أشكال اللؤم والإسفاف والإستهتار وقلة الحياء! أجل لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة بدهشة وٱستغراب وٱستياء.
مسرحية تراجيدية – كوميدية مملة
دأب العديد من المشعوذين على الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي ما أفقدهم ما تبقى لديهم من مصداقية لدى الرأي العام، كنا نعتقد واهمين أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وعديمي الحياء، ولكننا إكتشفنا، مع مرور الأيام، انهم يمثلون الأغلبية.
يحدث كل هذا في ظل ما يقرب عن عشر سنوات من الفوضى والإنفلات والتذبذب والإرتباك وانهيار هيبة الدولة ومؤسساتها دون أن تظهر في الأفق مؤشرات جدية لقرب إنتهاء هذا الكرنفال التراجيدي-كوميدي، المشحون بكل أنواع الرداءة، والذي حول العمل السياسي والإعلامي إلى ضرب من ضروب العهر، ففي الوقت الذي تفاقمت فيه الأزمات إلى حد لا يطاق، تتواصل عمليات تدجين المجتمع والدفع به إلى حضيض الظلامية ومجاري العفن والعار وذلك بتطارح مسائل تنفر من الخوض فيها كل نفس بشرية تمتلك حدا أدنى من الإنسانية، كختان النساء وتحجيب الرضيعات وفضائل بول البعير و سن الأهلية الجنسية للفتاة وتبرير التحرش وجواز نكاح الزوج لزوجته الميتة، وصولا إلى إباحة “جهاد النكاح” وتعيير نائبة شعب بحيضها ومنع أستاذة من مراقبة إمتحان الباكالوريا لأن زميلها في المراقبة إشتكى من أحمر شفاهها “المستفز لغرائزه الحيوانية” وغيرها من القضايا ذات الخلفية الرجعية والظلامية والمقاصد التخريبية المفضوحة.
تجار الدين، دعاة الرذيلة … و”تياسة” الظلاميين
الغريب في الأمر أن الإهتمام بهذه الترهات شمل الرجعيين ومن يوصفون أنفسهم بالحداثيين على حد سواء. لا بد وقد استفعل الشر، من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الشعبويين الذين إستفادوا من الفوضى والإنفلات وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح لأنهم لا يستطيعون العيش إلا في بؤر الإثارة الرخيصة وقواميسها المشحونة بالسوقية.
إن المسألة تتجاوز دلالات هذه الأمثلة التي إستعرضناها لتصل إلى جوهر المعضلة التي يعاني منها الشعب التونسي والمتمثلة في إفلاس من يوصفون، كذبا وبهتانا ب “المتدينين” وما هم إلا تجار دين و”المتعففين” وما هم إلا دعاة رذيلة و الكثير من “الحداثيين” وما هم إلا “تياسة” للظلاميين.
حان الوقت لإنهاء هذه المهازل ووضع حد لمحاولات إلهاء الشعب بالمسائل الهامشية، لأن تواصل مثل هذه الفضائح والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويوسع الفجوة بينهم وبين “النخب” في كافة المجالات، ويقلص، تبعا لذلك، من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد وهو ما سيتسبب في مزيد من الإحتقان والغضب الشعبي ويبدد الحلم بٱستعادة البلاد لعافيتها وخروجها من النفق المظلم الذي تردت فيه.
من الحماقة، أجل الحماقة، الإمعان في استبلاه الناس وإغراقهم في أوحال المسائل التافهة، لأن هذا الصنيع الأرعن سيساهم في تفجير الأوضاع بشكل كارثي ويحول البلاد بأسرها إلى حلبة لن تتوقف صراعاتها إلا بسقوط السقف المتداعي على رؤوس الجميع.
شارك رأيك