الحركات العقائدية، دينية كانت أم انتمائية، كحركات الإخوان المسلمين والجهاد الإسلامي والتكفير والهجرة والماسونية والإنجيليين والصهيونية وغيرها من الحركات، فالإختلافات بينها لا تعني أبدا ضربا من ضروب القطيعة بل هي مجرد توزيع للأدوار سرعان ما يضمحل عندما يجد الجد وتتحرك نعرة الإنتماء للأصل. وهذا ما يحدث منذ مدة داخل حركة النهضة الاسلامية.
بقلم مصطفى عطية *
عندما أقرت الأمم المتحدة بأن “الصهيونية شكل من أشكال العنصرية” اهتز اليهود في كل أنحاء العالم ونددوا بهذا القرار، وٱتحدت في موجات التنديد والاستهجان والغضب الشديد كل المشارب اليهودية من صهاينة ومتشددين وأرثودوكس ومعتدلين و”حمائم سلام” ويهود علمانيين ولم تتخلف أي حركة يهودية عن هذا المد الهادر.
كسكسلو يرجع لأصلو
التقى الكاتب اليهودي الفرنسي جون دانيال، العلماني حد النخاع، وأحد أهم أصوات السلام، مع اليهودي الصهيوني المتعصب والملقب ب” صياد النازيين “إيلي ويلز”، في سفينة التنديد بالقرار، كما ركبها أشد المتطرفين أمثال برنار هنري ليفي، وألكسندر أدلار ودافيد كلوكسمان وألان فينكيلكراوت مع أكثر المعروفين بٱعتدالهم الظاهر كالكاتب أموس أوز والناشط “الثوري” الألماني- الفرنسي دانيال كوهين بانديت.
جميعهم وجدوا أنفسهم معنيين مباشرة وبشكل صريح بالقرار الأممي فقرروا التخلي عن اختلافاتهم الفكرية الظاهرية وٱسترجعوا يهوديتهم وصهيونيتهم دفعة واحدة، ولم يهدأ لهم بال إلا بعد أن فرضوا على الحكومات الغربية الضغط على المنتظم الأممي، وهو ما حصل بعد أن تراجعت الأمم المتحدة عن قرارها في شهر ديسمبر من سنة 1991. وهو القرار الوحيد في تاريخ الأمم المتحدة الذي تم التراجع عنه بقرار مضاد. اكتشف العالم وقتها أن اليهود جميعهم صهاينة حتى وإن تظاهروا بالإختلاف في المواقف والاتجاهات، وكما يقول المثل الشعبي التونسي المأثور “كسكسلو يرجع لأصلو” !!! سقطت الأقنعة وٱنحسر مد المستنقع ليظهر كل السابحين في أوحاله عراة إلا من زيفهم وكذبهم ونفاقهم.
كلهم صقور … والباقي توزيع أدوار
تعمدت سرد هذه الوقائع للتذكير بأن ما يحدث من انشقاقات وما يتواتر من اختلافات لدى الاسلامين بكل فروعهم ما هو في الحقيقة إلا من باب “التنويع في أطباق المطبخ الداخلي”، فلا اختلاف في الجوهر بين النهضة وائتلاف الكرامة وإسلاميي الأحزاب الأخرى التي تدعي “الحداثة ” زورا وبهتانا وخاصة تلك المتفرعة عن حزب المؤتمر المندثر، كما لا اختلاف في الأصل بين التيارات المتصارعة داخل حركة النهضة وحتى المنشقة عنها، فعندما تتعرض الحركة للضغوطات تجد كل “المنشقين” عنها أمثال حمادي الجبالي وعبد الحميد الجلاصي ومنار إسكندراني وزياد العذاري وحتى الهاشمي الحامدي وقد ٱنبروا للدفاع عنها بكل ما أوتوا من جهد.
هذا تحديدا ما يحدث اليوم عندما ارتفع ضغط حزب الدستوري الحر مدعوما بمد شعبي لا يستهان به وإقالة كل وزراء النهضة من حكومة تصريف الأعمال وٱشتداد عزلة الحركة وشيخها راشد الغنوشي بعد انقلاب مواقف حلفائها كالتيار الديمقراطي وحركة الشعب.
تواترت تصريحات “المنشقين” و”الغاضبين” و”المختلفين” لدعم الحركة وزعيمها وشيطنة معارضيهما وخاصة الدستوري الحر، وٱرتفعت الشعارات ذاتها التي ميزت خطاب حركة النهضة منذ الرابع عشر من جانفي 2011 والتي تدور أساسا حول الترهيب من عودة “المنظومة القديمة” ممثلة في حركة نداء تونس سابقا و الدستوري الحر لاحقا.
النهضة تعمل على مواجهة الصعود “المخيف” لعبير موسي وحزبها
وها هو عبد الحميد الجلاصي “المنشق الغاضب” يتحرك بقوة تفوق قوة نور الدين البحيري وأمينة الزغلامي ومحرزية العبيدي وعبد الكريم الهاروني مجتمعين، وينشر تدوينة يدعو فيها القوى “الحداثية” بما فيها حركة النهضة ( هگذا!!!) لمواجهة الصعود “المخيف” لعبير موسي وحزبها و”عودة المنظومة القديمة” التي ستقضي (وهذه من استنتاجي) على “حداثية وديمقراطية والروح التحررية” لحركة النهضة وفرعها إئتلاف الكرامة.
هكذا هي الحركات العقائدية، دينية كانت أم انتمائية، كحركات الإخوان المسلمين والجهاد الإسلامي والتكفير والهجرة والماسونية والإنجيليين والصهيونية وغيرها من الحركات، فالإختلافات بينها لا تعني أبدا ضربا من ضروب القطيعة بل هي مجرد توزيع للأدوار سرعان ما يضمحل عندما يجد الجد وتتحرك نعرة الإنتماء للأصل.
صحفي و كاتب.
شارك رأيك