كل الحكومات فتحت ملفات فساد بعزائم ومقادير متفاوتة لكن جميعها لم توفق في تحقيق ولو جزء يسير من الهدف… بسبب غياب استراتيجية واضحة ناتج بدوره عن عدم فهم حقيقي وعلمي لمفهوم وظاهرة الفساد…
بقلم عبد الرزاق بن خليفة *
الفساد في مجمله التفاف على تحجر البيروقراطية الإدارية بطرق غير قانونية وأحيانا قانونية… إلي درجة أصبحت مسالك الفساد منظومة اقتصادية متكاملة… أنتحت الاقتصاد الموازي…
وعندما يتفوق الاقتصاد الموازي على الاقتصاد “المنتظم” (54 ٪) فاعلم أن الخلل في الاقتصاد المنظم.
لذلك كانت المجهودات التي قامت بها مختلف الحكومات عاجزة لأن لها:
– منطلقات غير منتجة
– أهداف غير واضحة
– آليات غير مناسبة.
1/يعتقد أغلب الساسة ان مكافحة الفساد تستوجب هبة عقابية من الدولة عبر استعمال السلطة أيا كانت لمعاقبة “الفاسدين” وإدخالهم السجن و الاحتفال بذلك بعد ذلك…
الهدف الأساسي ليس سجن الفاسدين وإنما تفكيك منظومة الفساد
والواقع ان هذا المنطق خاطئ لأن الفساد تحول الى منظومة لدرجة أن المساس به تكون له ضحايا وتداعيات أكثر من فوائد المحاسبة… والمعاقبة… إلى درجة إن بعض الاقتصاديين اعتبروا أن الفساد محفز الاستثمار لكونه جزء من الاقتصاد الموازي الذي بطبيعته معاد للبيروقراطية وميال إلى إتمام المشاريع بسرعة…
لذلك على من يرغب في فتح هذا الملف ألا يكون مههوسا بفكرة المعاقبة و الإحالة على القضاء وإنما بفكرة تفكيك المنظومة عبر رصد مكامن الفساد وأسبابه وأبرزها البيروقراطية بكل أشكالها…
لذلك فإن الهدف الأساسي ليس سجن الناس وإنما رفع أسباب الفساد ومكامنه عبر “تنظيف” البيئة التشريعية…
2/ للنجاح في موضوع مكافحة الفساد يجب الإشتغال على العينات الكبرى أو ما يمكن أن نسميه بالمداخل الرئيسية للفساد وهي:
-نظام الرخص الاقتصادية
– شفافية المعاملات
– النظام الضريبي (بما في ذلك الديوانة)
– آليات الزجر والتنفيذ (الأمن بالأساس)…
لذلك فإن الالغاء الشامل للرخص (باستثناء السلاح) وإن كانت له تداعيات سلبية في البداية إلا أن لها على المدى المتوسط والبعيد أثر حاسم في القضاء على الفساد…
إلغاء عديد الإجراءات البيروقراطية لتسهيل المعاملات
و بخصوص شفافية المعاملات يتعين أولا تسهيل المعاملات عبر إلغاد عديد الإجراءات مثل التعريف بالامضاء ولكن خصوصا اعتماد الوسائل الإلكترونية في الدفع ودمح المنظومات الإلكترونية الحكومية مع بعضها البعض…
كما أن توحيد الأنظمة الضريبية أو على الأقل حصرها في نظامين أو ثلاث على أقصى تقدير كفيل بوضع حد لعقلية التجنب الضريبي و التلاعب بالحسابات المالية للشركات.
وأخيرا… لابد من إصلاح جهاز الزجر و التنفيذ و تحديدا الأمن باعتباره الأول على الجريمة الاقتصادية (المعاينات) والأخير في التعاطي معها (تنفيذ المأموريات والبحث و تنفيذ الإنابات و الأحكام)…
هذا الجهاز يفتقد إلى التخصص و التكوين… وغالبا ما توكل المهمات إلى موظفين من أسفل السلم الإداري… وحتى مدارس الأمن تركز على حفظ النظام أكثر من أعمال الضابطة العدلية…
3/ هذه المقارنة لا تعني التخلي عن فتح التحقيقات في ملفات الفساد وإنما يجب أن تكون العملية بالتوازي مع الحوكمة وبنسق أساسه الانسجام بين الهدفين… مع اعتماد السياسة العقابية على الاشتغال على العينات الكبرى لا على الأشخاص… و اعتماد الحوكمة أسلوب المعالجة الشاملة للقطاعات الاقتصادية عبر القضاء على أسباب الفساد… لأن المستمثر بطبيعته يميل إلى الضغط على التكلفة ومنها التكلفة الإدارية لمشاريعه فكلما ابتعدت الادارة عن طريقه نجحت أعماله…
* ناشط سياسي.
شارك رأيك