وفاة علي لجنف أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بالقيروان فجر اليوم الإثنين 27 جويلية 2020 على اثر حادث مرور جد أمس الأحد بمدينة سوسة أين تم نقله للانعاش بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد، ترك حسرة لدى كل الأجيال الذين تتلمذوا على يديه سواء في المعاهد او فيما بعد في الجامعات، و لدى كل من عرفه ناشطا سياسيا و نقابيا يساريا… و ها هو لزهر الضاوي يرثيه… في “خواطر أثارتها صورته و هو يطالع خبر النعي على الفايسبوك”
“-* وداعا…”علي لجنف”*-
الى من علمني أبجديات التفكير العقلاني..الى من زعزع نفوذ الأحكام المسبقة المعششة في ذهني الصغير منذ الأزل..
..ما زلت أذكر يوم حلولك علينا في يوم شتوي بارد بالمعهد الثانوي المختلط بقفصة سنة 1974 لتدريسنا مادة الفلسفة….قيل لنا حينها -همسا- بأنك “معارض”..و”معاقب” ولربما كنت “خارجا من السجن” أيضا ..وجئت لتدريسنا هذه المادة النبيلة “حب الحكمة”.. فأسلمنا لك عقولنا الصغيرة كي تنحت لنا فيها آليات “الروح النقدية” التي مازلنا نحافظ عليها الى اليوم ونلقى في سبيلها سيولا من السب والشتم و”التكفير” من جانب كائنات أقل ما يقال فيها انها كائنات”قبل عقلية”..
معك كان للفلسفة وقار..وأي وقار ..كانت قاعة الدرس تتحول الى “قدّاس” تنحبس فيه الأنفاس..كنا نشعر معك في كل حصة ب”انفقاع” عدد جديد من “دمامل” الجهل المتوارث منذ قرون..فنخرج ونحن نشعر بلذة وسعادة غامرة تماما كما الخارج من حمام دافىء للمياه المعدنية..!!
..كنت مراقبا من جانب البوليس وكنا نعي ذلك جيدا ونحرص على سلامتك..لكنك مع ذلك كنت تمدنا خلسة بكتب “ماركس” وانجلز ولينين” و”هيغل”….
..لن أنسى وقفتك يوما في أحد الشوارع المزدحمة بالجموع التي جاءت لاستقبال الرئيس الاسبق الحبيب يورقيبة في احدى زياراته للمدينة..وانت” تسخر” من الأدفاق المهرولة على جانبي الطريق مسايرة للركب الرئاسي وتهتف بصوتك المتهدج ” allez courez..courez.. ؟؟”…فزاد تعلقنا بك..وأنفذت الينا فكرة لم تمّح فينا الى اليوم وهي أن “الفيلسوف” أو” المتفلسف” بل وكل ذي فكر حر.. لا يمكن ان يكون الا معارضا ورافضا لما هو سائد.. …….. أو فلينقرض أحسن..؟!!
اليوم خبا بريق الفلسفة أستاذي..بل و أحيانا صار “يدرّسها” من هم ألد أعدائها..” فدجّنوها..”وعقروها”..وسفحوا دمها على مذبح “الجهل المقدس”…
..كل هذه الخواطر أثارتها فيّ صورتك اليوم وأنا أطالع خبر نعيك على “الفايسبوك” من قبل بعض الأصدقاء..
..أنا لم أرك منذ ذاك العام….واليوم أراك من جديد … لكني أراك في يوم رحيلك..ولا أملك لك سوى جملة يتيمة مرتعشة أودعك بها ..” سلام..سلام..لروحك السامية المتألقة الزكية العليّة…….أستاذي ومعلمي -الذي علمني ما لم أكن أعلم-……. “علي لجنف”-
شارك رأيك