في هذه الرسالة المفتوحة إلى السيد هشام المشيشي، الكاتب يطلب من رئيس الحكومة المكلف ألا يخضع إلى مناورات الأحزاب و الدكاكين السياسية وضغوطاتها ومزايداتها ومحاصصاتها و أن يختار الكفاءات الوطنية التي تحتاجها المرحلة الراهنة لرفع التحديات وإعادة البلاد إلى المسار القويم.
بقلم مصطفى عطية *
تحية وبعد ،
لعلكم لاحظتم أن تكليفكم من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة، كمحاولة أخيرة قبل حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، قد لاقى ترحيبا شعبيا كبيرا، في حين كانت ردود فعل الأحزاب وأبواقها الرسمية وغير الرسمية مرتبكة ومحترسة ومحتشمة، وهو مؤشر على أن سندك الحقيقي بعد رئيس الجمهورية هو الشعب وليس تلك الدكاكين السياسوية التي حكمت البلاد أو شاركت في حكمها طيلة تسع سنوات من القحط والبوار والجمر، أو أحزمتها مختلفة القياسات التي تدعي أنها قادرة على إحاطتك بها تقربا وتزلفا. لقد فقدت مصداقيتها وتأثيرها ولم يبق لها إلا عواء الثكالى الذي يفتح له إعلام الفوضى والإنفلات والإثارة الرخيصة بلاتوهاته المخضبة بكل ألوان الأمية الإعلامية والجهل السياسي.
نظافة العقل واليدين واللسان
أنتم الآن في حل من هذه الدكاكين ومناوراتها وضغوطاتها ومزايداتها ومحاصصاتها، ويدكم مطلوقة لٱختيار الكفاءات الوطنية التي تحتاجها المرحلة الراهنة لرفع التحديات وإعادة البلاد إلى المسار القويم الذي انحرفت عنه، وأعتقد أنكم ملمون إلماما جيدا بالمواصفات التي يجب أن تتوفر في أعضاء الحكومة التي ستترأسونها بما أن اختيار رئيس الجمهورية لشخصكم كان على أساس تلك المواصفات ألا وهي : الكفاءة والإستقلالية والنزاهة ونظافة اليد والعقل واللسان، والإنتماء للوطن وحده لا شريك له.
لا شك أنكم على يقين تام بأن تونس لم تكن في يوم من الأيام جدباء أو عاقرا فهي التي أنجبت حنبعل والكاهنة وأسد ابن الفرات وابن خلدون والإمام سحنون وابن الشباط وابن الجزار وابن منظور والطاهر الحداد والمنصف باي وفرحات حشاد والحبيب بورقيبة والهادي نويرة وغيرهم من الساسة والمفكرين الذين ذاع صيتهم وملأ الأصقاع، وهي تزخر اليوم بالعديد من أمثالهم يكفي أن ينالوا فرصهم ليبدعوا كل في ميدان اختصاصه، فليس تلك الوجوه التي نهشتها الإنتهازية وتبوأت ساحة الفعل السياسي الفوضوي الهدام خلال أكثر من تسع سنوات هي التي تمثل تونس وشعبها بل بالعكس لم تكن سوى من مظاهر الفوضى التي عمت البلاد ولا تمت لريادة تونس وعبقريتها التاريخية بشيء
تحالف الإرهاب والفساد
تقفون اليوم أمام رهان كبير وعسير في ظل تواصل تدهور الأوضاع في البلاد، بما في ذلك من تفاقم لمخاطر الإرهاب والفساد بجميع أشكالهما، إرهاب الجماعات التكفيرية المنظمة، وإرهاب المحتالين والمهربين وقطاع الطرق، وإرهاب المجرمين والخارجين عن القانون، وإرهاب المحرضين على الفوضى والعصيان والفتن، وفساد اللوبيات التي نخرت هياكل البلاد وهو ما يتطلب منكم، وبصفة عاجلة، معالجة أكثر عمقا وشمولية ومسؤولية لمسألة صيانة الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، خاصة وأن الأوضاع العالمية السائدة طرحت مقاربات جديدة في التعامل مع هذه المسألة في ظل ما يتعرض له أمننا القومي من مخاطر خارجية تجد في الداخل من يتواطؤ معها ويتجند لتفيذها.
لعلكم أدركتم، خلال توليكم لمهام عليا في صلب هياكل الدولة ومؤسساتها أن المشكلة في تونس هي اننا لم نستوعب الدرس رغم تعدد العمليات الإرهابية والإختراقات الخارجية وتفاقم تداعياتها الكارثية على الأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد، ومازالت بعض القوى والتيارات السياسية وخاصة تلك التي أثبتت الوقائع أنها مشدودة لأجندات أجنبية مفضوحة تعارض إتخاذ إجراءات ردعية حاسمة ضد الإرهابيين ومموليهم وداعميهم والمروجين لمقارباتهم التكفيرية وكل المجرمين والخارجين عن القانون والفاسدين بدعوى ان تلك الإجراءات تهدد الحريات الأساسية وتعيد إنتاج التعسف والتسلط والكبت وجميع مكونات الديكتاتورية !!!
وهنا أساسا تكمن المعضلة الكبرى، أعني معضلة المتاجرة بحقوق الإنسان على حساب أمن الشعب والوطن، والتي على الحكومة أن تواجهها بحكمة وواقعية وحزم لتضمن ظروف النجاح لإصلاحاتها بدءا بوضع حد نهائي لكل محاولات تعطيل الإنتاج وإيقاف عمل المرافق الحيوية ومطاردة المتمردين بقوة القانون وتضييق الخناق على المجرمين والقتلة وتفعيل القوانين ضد الداعمين للإرهاب والمحرضين على اقتراف جرائمه والمحتفين برموزه الأجنبية، وبعضهم ينعم بالحصانة البرلمانية وامتيازاتها المادية التي تستنزف من جيوب الشعب المعدم.
الأيدي المرتعشة لا تصنع النجاح
لا شك أن لكم رؤية إصلاحية للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية وحتى الأمنية، ولا شك أيضا أنكم تلتقون مع رئيس الجمهورية في ترتيب أولويات هذه الإصلاحات وكيفية إنجازها، وقد تكونوا إتفقتم على آليات التنفيذ الآني والمستقبلي، لكن من واجبي أن ألفت نظركم إلى أن كل البرامج مهما كان إبهارها لا يمكن إنجازها إلا على أساس سندنين إثنين، أولهما السند الأمني الضامن للإستقرار، وثانيهما السند الفكري والثقافي عموما وهو الضامن لصلابة البنيان، إن أهمالكم، لا قدر الله، لهذين السندين الأساسيين سيحكم على برنامجكم بالفشل المسبق، فالبلاد والشعب بحاجة إلى الأمن في شموليته وبكل فروعه : الأمن الذي يضمن إستقرار الوطن ويصون اقتصادها وثقافتها.
لن يفيدكم حزام الدكاكين السياسوية في شيء، فالذين يمثلونها في مجلس نواب الشعب سوف يصادقون على حكومتكم مكرهين لأنهم يخشون حل المجلس وضياع الحصانة التي يتدثرون بها والإمتيازات المادية والمعنوية التي لم يحلموا بها يوما، وفي المقابل لكم حزام الشعب وإن أضفتم إليه أحزمة الكفاءات والإطارات والمثقفين فقد ضمنتم نجاحكم ونجاح برنامجكم.
أخيرا وحتى لا أطيل عليكم وأنتم في معترك مضطرم لا بد من تذكيركم بأن فشل الحكومات السابقة مرده الأساسي تلك الأيدي المرتعشة التي تفتقد للحسم والجرأة والإرادة القوية لذك كن صاحب اليد التي لا ترتعش ولا ترتبك فهي الضامن لبقاء الشعب مساندا قويا لك.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك