لا يفيد الشاة ذبحها بعد سلخها، لأنه لا يفيد سحب الثقة من رئيس برلمان ساقط أصلا من عيون التونسيين… فإذا صح فعلا تجميع أصوات تزيد عن ال 109 الضرورية لسحب الثقة من راشد الغنوشي، فإن رئيس حركة النهضة الإسلامة يكون قد خرج من الباب الصغير، صاغرا صغيراً…
بقلم توفيق زعفوري
لا أحد في تونس من متابعي الشأن العام و النشطاء السياسيين مقتنع بأن تونس سنة أولى ديمقراطية، ذاك كلام إنشائي خشبي فيه قلة إحترام لعقول الناس… الفعل الديمقراطي ثقافة قبل أن يكون ممارسة و نحن لا زلنا في مناخات الطبيعة لا الثقافة…
ثقافة الإستقالة من قواعد الديمقراطية لكننا لا نعمل بها في تونس
ففي البلدان المشبعة ديمقراطية يكون المنصب أو المركز الجديد فرصة لخدمة البلد والناخبين و تكريس برنامج أو مجموعة أفكار على صعيد الواقع، و إذا حدث أن تسرب ما يسيء للشخص أو لتاريخه أو لحزبه أو لعائلته أو لشخصه، فإنه و إحتراماً لكل ذلك يقدم إستقالته، و يتفرغ للدفاع عن نفسه أو إثبات براءته أو دحض التهم أو الشبهات أو القضايا المتعلقة به…
ذاك لم يحدث في تونس إلا في حالة واحدة هي حالة الفاضل عبد الكافي، الذي إستقال من حكومة يوسف الشاهد على خلفية شبهات، قدم الرجل إستقالته و تابع قضيته إلى أن برّأه القضاء، فيما عدى ذلك مازالت الاستقالة أمرا صعبا، حتى لمن صرخ بها ثلاثا، ذات يوم “لن أستقيل، لن أستقيل لن أستقيل”…
في بلدي لازالت الاستقالة تعني الطعن في الإستقامة و إعترافا بالهزيمة، تماما كشبهة تضارب المصالح ( التي هي ليست تهمة و لكنها وضعية )…
الغنوشي سقط منذ تقديم لائحة سحب الثقة منه
أما بالنسبة لموضوع الساعة، فإن مسوغات راشد الغنوشي بعد سحب الثقة منه كرئيس لمجلس نواب الشعب أو محاولة تبييضه و تعداد إنجازاته فلن تنفعه في شيء لا هو و لا خصومه و متابعيه، لأن المحظور قد وقع و كان ما كان منذ تجميع ال73 إمضاء على سحب الثقة… وقتها كان بإمكان الغنوشي المحافظة على شرفه و تاريخه و سمعته و مصداقيته، و يترك مكانه إحترام لنفسه، أولا ثم لمن سحبوا منه الثقة و قد إستحال معه العمل و التواصل…
الغنوشي سقط منذ تقديم اللائحة، و ليس مذ وقع إمضاؤها و تدعمها من كتلة الدستوري الحر، لقد سقط مرات عديدة و تصادم مرات عديدة مع مؤسسات الدولة و تصرف في غالب الأحيان كرئيس حزب و ليس كرئيس برلمان… الذي جعل له رئاسة قائمة الذات و هي سابقة في تاريخ تونس و في تاريخ من تداولوا على كرسي البرلمان، حتى أن نائبه الثاني طارق الفتيتي صرح في أول جوان الماضي أنه مع مساءلة الغنوشي و أن هذا الأخير قد تجاوز صلاحياته و خاصة في تهنئة فايز السراج باسترجاع قاعدة الوطية و بيّن وقتها إصطفافه و انحياز مؤسسة البرلمان إلى شق معين في الصراع الليبي، على حساب شق آخر، وهو ما يحرج الرئاسة و ينسف موقف الحياد لديها…
انقطاع التواصل نهائيا مع رئاسة الحكومة، بحكم إنعدام الثقة
ليس الأمر متعلقا فقط بموقف من الصراع الدائر في الجوار الليبي و لكن أيضا بكيفية إدارة الصراع في البرلمان، فبتعيين الحبيب خضر رئيسا للديوان، تبين سوء التصرف في دواليب إدارة باردو و خاصة جدول أعمال بعض الجلسات، يكون الغنوشي قد هرب إلى الأمام عوض التروي و التأمل في الأمور من زاوية أخرى، ناهيك عن انقطاع التواصل نهائيا مع رئاسة الحكومة، بحكم إنعدام الثقة بينهما و لائحة سحب الثقة من حكومة الفخفاخ، و بقي بالتالي عياشي الهمامي و جوهر بن مبارك دون مهام أصلا…
اليوم و قبل يومين من تاريخ جلسة سحب الثقة المبرمجة بعد غد الخميس 30 جويلية 2020 نتحدث بالفعل عن أصوات تجاوزت ال109 الضرورية لسحب الثقة، و نسمع رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري يتحدث عن سوق البيع و الشراء في الذمم و أموال من الخارج تدفع لمن يسحب الثقة من الغنوشي…
في تقديري لا يفيد الشاة ذبحها بعد سلخها، لأنه تماما ليس من المفيد سحب الثقة من حكومة مستقيلة، كما لا يفيد سحب الثقة من رئيس برلمان ساقط أصلا من عيون التونسيين…
إذا صح فعلا تجميع أصوات تزيد عن ال 109 و سحبت الثقة من الغنوشي، فإنه يكون قد خرج من الباب الصغير، صاغرا صغيراً…
شارك رأيك