في السياسة ليس هناك أصدقاء دائمون، كما ليس هناك أعداء دائمون، و حزب قلب تونس كغيره يبحث عن مواقع قابلة للتعايش فيها، حزب ليبرالي في تحالف مع حزب يميني متطرف، جعل بعض ناخبيه ينظمون و يحذرون من التحالف مع النهضة و الإئتلاف… ولكن هل يسمعهم رئيس الحزب نبيل القروي ؟
بقلم توفيق زعفوري *
في سنة أولى ديمقراطية، تُبنى التجارب السياسية و القواعد الإنتخابية، لا على البرامج و العمل الميداني، بل على مناكفات و ضرب تحت الحزام و كشف الملفات و الملفقات…
الفعل السياسي في تونس ما بعد الثورة بقي مشدودا لهذه الوصفة الأخلاقوية كما تستمد الأحزاب شرعيتها و نِضاليتها من الإصطفاف و التموقع خارج النمط و السيستام.
التزامات الأحزاب التونسية لا تلزم إلا من يصدقها من الناخبين
نداء تونس تكوّن بعد خروج الراحل الباجي قايد السبسي من القصبة، تكوّن في شهور على قاعدة عدم التحالف مع النهضة و كان أن إلتف حوله جميع الأطياف اليسارية المعادية للإسلام السياسي و كون بذلك كتلة برلمانية فاقت ال80 نائبا… ثم تدحرج و تشقق و تفتت لأنه أخلف وعوده و خان ناخبيه فأضحى نسيا منسياًّ، و بطرد حافظ قايد السبسي و على الحفصي، و تقديم التائبين المحسوبين على النداء استقالتهما، يكون النداء القديم، أثر بعد عين…
حزب حركة النهضة فعل نفس الشيء، أقام الدنيا و نظّم حملاته الإنتخابية على قاعدة برنامج من 360 نقطة و كذلك عدم التحالف من الباجي لأن النداء أخطر من السلفيين، ثم تحالف معه بعد اتفاق باريس الشهير عام 2013 فصارت تونس بقدرة قادر كطائر جناحاه النهضة و النداء!
ثم واصلت النهضة مع نفس الوصفة، و حلفت أغلظ الإيمان أنها لن تتحالف مع الفساد، فكان أن تحالفت معه سرا لتزكية راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان مقابل توسيع الحزام السياسي للحكومة لتشمل قلب تونس، حليفها في البرلمان، وهو السبب في سقوط حكومة إلياس الفخفاخ، و من قبله حكومة الحبيب الجملي…
نفس الشيء تفعله عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر، تبني قواعد انتخالية من خلال ضرب الإسلام السياسي مباشرة وخاصة رئيس البرلمان راشد الغنوشي…
قلب تونس لا يختلف على بقية الأحزاب التي إرتادت نفس المدرسة، لكنه لازال سنة أولى ديمقراطية كغيره من الأحزاب لا نضج سياسي و لا ثقافة سياسية و لا وعي سياسي و خاصة لا نظرة استشرافية و لا دراسات و لا ملتقيات و لا مؤتمرات حزبية،
نبيل القروي يجد نفسه زعيما سياسيا لا يختلف عن الأم تيريزا أو روبن هود، جعل لنفسه زعامة و حضورا بطوليا في المشهد السياسي المقرف من خلال عمل جمعياتي مشبوه، و أموال لا حدود لها و ماكينة إعلامية في الخدمة جاهزة للضرب و التشويه و التشويش… كل ذلك جعل منه زعيم كتلة برلمانية تقترب من الأربعين نائبا، قبل إنسحاب حاتم المليكي و رضا شرف الدين و نواب اخرون … كتلة وازنة و لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها، لازمة وضرورية و جاهزة للإجهاز على أي مشروع قانون و أي لائحة و أي حكومة…
هل سيفعلها نبيل القروي و يتنكر مرة أخرى لناخبيه ؟
نبيل القروي يجد نفسه المحرك الذي لا يتحرك، و حسابيا لا يمكن سحب الثقة من رئيس البرلمان دون مشاركة قلب تونس في عملية السحب، فهل سيفعلها نبيل و يتنكر لناخبيه، أم سيتناسى مواقفه السابقة من النهضة و يعاود الإرتماء في حضنها الدافئ مرة أخرى، هل سيظل قلب تونس الحليف الدائم للنهضة و الائتلاف أم أنه سيعود إلى مواقفه السابقة منهما؟
في السياسة ليس هناك أصدقاء دائمون، كما ليس هناك أعداء دائمون، و حزب قلب تونس كغيره يبحث عن مواقع قابلة للتعايش فيها، حزب ليبرالي في تحالف مع حزب يميني متطرف، جعل بعض ناخبيه ينظمون و يحذرون من التحالف مع النهضة و الإئتلاف… و هو مطالب بحساب خطواته الآتية، قبل أن يسقط فيما سقط فيه غيره من الأحزاب التي فيها من اندثر و فيها من فقد مقاعد عديدة في البرلمان، خطوات ستُحسب لقلب تونس و ستسجل في دفاتره وتاريخه…
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي : هل يفكر نبيل القروي فعلا في مستقبل حزبه و يسعى إلى توسيع شعبيته ووضعه على سكة الانتشار وكسب الأنصار؟ أم أنه يفكر فقط في نفسه و يسعى إلى الإحتماء بالنهضة من الملاحقات القضائية في قضايا التهرب الضريبي و تبييض الأموال المتعلقة به ؟
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك