إذا كنت تريد اللجوء في أوروبا، فمن الأفضل ألا تكون مسلماً. و لكن يدعمك الأوروبيين إذا كنت قد تعرضت للتعذيب في بلدك. والسويد هو أكثر البلدان الأوروبية ترحيباً باللاجئين، والتشيك الأسوأ. في الدنمارك “اللجوء فقط لأولئك الذين يشبهوننا أكثر”. والأصغر سناً والأكثر تعليماً هم الأوفر حظاً.
بقلم حسن العاصي *
قضيتي اللاجئين والمهاجرين الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي، تشكل تحدياً أوروبياً مشتركاً. فقد دفعت الاضطرابات والحروب في العديد من بؤر التوتر في العالم، الملايين من الناس للفرار. والكثير منهم يلجأون إلى دول الاتحاد الأوروبي. هذا الوضع خلق قدرا كبيرا من الضغط على الحدود الخارجية للاتحاد وأنتج الشعور بانعدام الأمن لدى شرائح واسعة من الشعوب. بطبيعة الحال لا توجد حلول سهلة، لكن الأمر يتطلب التعاون الأوروبي للتعامل مع هذا التحدي.
في عام 2015 دخل 1.6 مليون من اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين إلى أوروبا. وليس هناك ما يشير إلى أن الهجرة ستنخفض فيما يتزايد الضغط على الحدود الخارجية للاتحاد خاصة في دول مثل اليونان وإيطاليا.
دفع هذا الوضع العديد من دول أوروبا بما في ذلك الدنمارك، إلى إدخال ضوابط مؤقتة على الحدود. إن التعاون الذي كان يتم بين دول الاتحاد وفقاً لاتفاقية شنغن حول الحدود المفتوحة متعثر والتكاليف الاقتصادية أصبحت باهظة.
بالرغم من أن مصلحة الاتحاد الأوروبي وكذلك الدنمارك الحفاظ على الحدود المفتوحة. لذلك، يتم العمل على قواعد جديدة يمكن أن تخفف الضغط على الحدود الداخلية، وفي الوقت نفسه يتم تشديد الرقابة على الحدود الخارجية.
وجود هذا العدد غير المسبوق من اللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي أحدث وضعاً تفاعلت فيه العديد من المعطيات، بحيث أصبح من أهم خصائص قبول اللجوء لدى الأوروبيون هو رفضهم للمسلمين.
دراسة حديثة ترصد مواقف الأوروبيين من اللاجئين
إن الأوروبيون الآن أكثر استعدادًا لقبول اللاجئين الذين يمكنهم المساهمة في المجتمع، أو المضطهدين أو غير المسلمين. كما يريد الأوروبيون مساعدة ضحايا التعذيب واللاجئين السياسيين، لكنهم يقولون إنهم لا يفضلون طالبي اللجوء المسلمين.
هذه من أهم النتائج التي توصلت لها دراسة جديدة خصصت لدارسة مواقف الأوروبيين من الهجرة والاستعداد لقبول طالبي اللجوء، ونُشرت في مجلة العلمية الدنماركية “علم” (Videnskab).
على وجه التحديد، تظهر النتائج أن ميل الأوروبيين لقبول طالب اللجوء هو، في المتوسط، أقل بنسبة 10.7 نقطة مئوية إذا كان مقدم الطلب مسلمًا وليس مسيحيًا.
أحد المشرفين الثلاثة على هذه الدراسة هو البروفيسور السويسري “دومينيك هانجارتنر” Dominik Hangartner، أستاذ العلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، المدير المشارك في هيئة تدريس مختبر سياسة الهجرة في جامعة “ستانفورد” Stanford University.
يقول: “إذا قارنت وجهات نظر الأوروبيين بشأن مهاجر عاطل عن العمل مع مهاجر يعمل كمدرّس، فإن البطالة تعنيهم بدرجة أقل من موقفهم تجاه المهاجرين مما لو كان المهاجر مسلماً وليس مسيحياً”.
“أنا معجب جدًا بالاستديو” هذه هي الطريقة التي عبر من خلالها “كيم مانيمار سونديرسكوف” Kim Manimar Sunderskov، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “آرهوس” Aarhus Universitet، عن رأيه في المقالة العلمية. لقد قرأ وأُعجب بالدراسة ولا يشك في جودة العمل الذي قام به الباحثون الثلاثة.
تفضيلات الأوروبيين لطالبي اللجوء
ثلاثة تفسيرات رئيسية لتقييم المهاجرين في الدراسة، طلب “هانجارتنر” وزملاؤه من 18000 أوروبي من 15 دولة مختلفة قبول أو رفض 180.000 ملف شخصي ملفق لطالبي اللجوء. عندما حلل الباحثون الأرقام، اتضح أن هناك ثلاثة تفسيرات أساسية لحكم المستطلعين على طالبي اللجوء:
1- المساهمة الاجتماعية والاقتصادية، والأعباء، والاعتبارات الإنسانية.
2- المواقف المعادية للمسلمين تتعلق بالإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية بالوظائف السابقة للمتقدمين، ومهاراتهم اللغوية وكذلك أعمارهم، وبالتالي كم تبلغ المسافة بين أعمارهم إلى سن التقاعد المتوقع. وقد تم التعبير عن الاعتبارات الإنسانية كتقييم لأساس المتقدمين للفرار. كان المشاركون في الدراسة أكثر استعدادًا لقبول المتقدمين الذين فروا بسبب الاضطهاد الديني أو العرقي أو الذين تعرضوا للتعذيب مقارنة بالمتقدمين المشاركين الذين تعرضوا للاضطهاد السياسي أو لم يتعرضوا للتعذيب.
3- المواقف المعادية للمسلمين كان حول الموقف الديني للمتقدمين.
هنا اتضح أنه قلل بشكل كبير من قبول المتقدمين إذا كانوا مسلمين، مقارنة بما إذا كانوا مسيحيين أو لا أدريين، أي أصحاب الرأي القائل بأنه ليس من الممكن التأكد من وجود الله.
يفضل الأوروبيون المهاجرين المسيحيين
أجرى الباحثون وراء الدراسة تحليلاً إحصائياً لاستجابات 18000 مستطلع. وفي ظل هذه العدد الكبير يمكنهم أن يعرفوا مدى اختلاف استعداد المجيبين لقبول طالب اللجوء فيما يتعلق بالخصائص التي تم فحصها، والتي يمكن أن تكون على سبيل المثال، الوظيفة والجنس والعمر وأساس الفرار والموقف الديني. يتم حساب النتيجة في عدد النقاط المئوية لتحركات مميزة معينة من خلال رغبة المجيبين في منح طالب لجوء فيما يتعلق بفئة مرجعية. لكل مجموعة من الخصائص، هناك فئة مرجعية ثابتة. إذا نظرنا على سبيل المثال، إلى وجهة نظر دينية فإن كلمة “مسيحي” هي الفئة المرجعية، بينما توضح الأرقام ما يعنيه إذا كان طالب اللجوء إما ملحدًا أو مسلمًا وليس مسيحيًا.
إذا كنت ملحدًا، فإن استعداد الأوروبيين لقبولك هو في المتوسط 3.7 نقطة مئوية أقل مما إذا كنت مسيحيًا.
إذا كنت مسلماً، فإن الاستعداد أقل بنسبة 10.7 نقطة مئوية في المتوسط.
لدى الأوروبيين تفضيلات مماثلة. إذ يمكن أن يشير العدد الكبير لطالبي اللجوء الذين اتخذتهم دول مثل السويد وألمانيا إلى أن سكانها لديهم تفضيلات مختلفة لطالبي اللجوء عن السكان في البلدان التي اتخذت عددًا أقل بكثير. لكن البروفيسور “هانجارتنر” يوضح أن الأمر ليس كذلك. يقول: “لدى شعب ألمانيا والسويد نفس التفضيلات لأنواع طالبي اللجوء مثل بقية الأوروبيين. إنهم يحبون المتقدمين الذين يساهمون ماليا، وهربوا من التعذيب وليسوا مسلمين”.
وبشكل مثير للدهشة إلى حد ما، أظهرت الدراسة أن التفضيلات لأنواع معينة من طالبي اللجوء هي نفسها عبر البلدان ونوع المستجيبين وعمرهم.
اليسار أكثر خيرة تجاه المسلمين
في الدراسة، تمت ملاحظة اختلاف في مجال واحد فقط عن تفضيلات المجيبين: فالتزامهم السياسي له تأثير على موقفهم من المعتقدات الدينية لطالبي اللجوء. في المتوسط، كما ذكرنا، جذب هذا 10.7 نقطة مئوية في استعداد الأوروبيين لقبول المتقدم إذا كان أو كانت مسلمة مقارنة بالمسيحي. ولكن هنا يلاحظ أن الانتماء السياسي للمشاركين قد أحدث فرقا كبيرا: فقد توافق اليساريون واليمينيون على كون أنه يحدث خرقاً لمعايير قبول اللجوء إن كنت مسلماً. وهم يرفضون طالبي اللجوء لهذا السبب فقط، بنفس المقدار الذي ابداه اليمينيون. لكن تميز المجيبين اليساريين بموقفهم من طالبي اللجوء كونهم مسلمين مقارنة بكونهم مسيحيين قد انخفض بنسبة 6.7 نقطة مئوية. بينما بين المجيبين اليمينيين وصل إلى 14.3 نقطة مئوية.
طريقة الدراسة
تم إجراء الدراسة على أنها تجربة مسح مشترك مقترنة، حيث اضطر كل من 18000 مستجيب من 15 دولة أوروبية مختلفة إلى قبول أو رفض 10 طالبي لجوء وهميين. وبالتالي، فإن المسح يغطي أكثر من 180.000 لمحة عن طالبي اللجوء. وعلى وجه التحديد، تم منح كل مستجيب خمس مجموعات من ملفي المتقدمين. من بين أمور أخرى، طلب منهم تقييم ما إذا كان يجب إعادة كل طالب لجوء أو منحه حق اللجوء. يتألف كل ملف شخصي من تسعة أجزاء من المعلومات، بما في ذلك بلد منشأ مقدم الطلب والمهنة والجنس والعمر وأساس الهجرة والانتماء الديني. بناءً على رفض المستجيبين وقبولهم للمتقدمين، تمكن الباحثون من حساب تأثير الخصائص المختلفة فيما يتعلق بفرصة قبولهم كمتقدمين لجوء من قبل المواطنين الأوروبيين.
قال سونديرسكوف : “في الحقيقة إنها دراسة مثيرة للإعجاب، تحتوي على العديد من النتائج المثيرة للاهتمام وتستند إلى أساس متين. وأشاد بشكل خاص بدقة الباحثين واختيارهم للطريقة. ولكن أيضا نهجهم تجاه هذه القضية الإشكالية في القارة الأوروبية.”
وفيما توصلت الأبحاث الأخرى في المواقف تجاه المهاجرين إلى مواثق متباينة، لكنها في المجمل سلبية، تراوحت ما بين تردد المواطنين الأوروبيين إلى النفور. هذه الدراسة تؤكد جميع الأبحاث السابقة التي جرت خلال العقود القليلة المنصرمة، بالرغم من أنها تحاول إظهار حسن النية لدى بعض الأوروبيين تجاه طالبي اللجوء.
الطريق إلى المواقف الحقيقية
يقول سونديرسكوف: “هناك سبب للإشادة بالدراسة، وهو المنهج المستخدم الذي يجعل من الممكن الاقتراب جدًا من المواقف الحقيقية للمشاركين، على الرغم من أنه موضوع حساس للغاية. عادة قد يكون من الصعب الكشف عن مواقف الناس الحقيقية تجاه طالبي اللجوء في استطلاع عام. على سبيل المثال، حُمل اليساريين على الكشف عن أي مواقف سلبية تجاه الهجرة. لذا إنني أظن أن هذه المشكلة تتجاوز هذه الدراسة إلى حد بعيد. العقدة هي أنه من الأسهل جعل المستجيبين يرتبطون بصدق بمجموعة من خصائص طالبي اللجوء من الخصائص الفردية. إذا تم سؤال الفرد في أوروبا على سبيل المثال هل يجب منح المسيحي حق اللجوء؟ وهل يمنح المسلم حق اللجوء؟ لا يحصل الإنسان السائل بالضرورة على إجابات صادقة. إذا قلت أنه يجب أن يكون للمسيحي حق اللجوء، فمن الصعب بعد ذلك القول أنه لا يحق للمسلمين ذلك. إن الخصائص المتعددة لملفات طالبي اللجوء تعني أن المجيبين يجيبون بصدق شديد. لذلك إن الإجابات نقترب كثيرا من وجهات نظرهم الحقيقية.”
للأوروبيين مؤثرات اجتماعية
من بين العديد من نتائج الدراسة، هناك استنتاج مثير للاهتمام. اتضح أن الأوروبيين يقبلون أو يرفضون طالبي اللجوء على أساس تقييم يتعلق بتأثير اللاجئين على المجتمع، وبالتالي ليس على أساس تأثير اللاجئين على الأوضاع الشخصية للأوروبيين.
يجادل الباحثون بأن ما يسمونه الاعتبارات الأنانية أو الشخصية غير مهمة. وبدلاً من ذلك، أخذ المستجيبون الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية في الاعتبار. على سبيل المثال، يرفض الأوروبيون المتقدمين العاطلين عن العمل اللاجئين لأنهم يؤثرون على الاقتصاد الوطني، وليس لأننهم خائفون من فقدان وظائفهم.
بظني أن هذا الاستنتاج غير دقيق، لأنه يتعارض مع نتائج دراسات عديدة، توضح حذر الأوروبيين من إمكانية تأثير اللاجئين على وظائف العمل المتاحة. ربما في هذه الدراسة كانت الأسئلة المستخدمة عامة جدًا بحيث لا يمكن كشفها.
نظر الباحثون على سبيل المثال، إلى ما إذا كان الأشخاص ذوو التعليم العالي يرفضون طالبي اللجوء ذوي التعليم العالي إلى حد أكبر من طالبي اللجوء ذوي التعليم المنخفض، لكنهم وجدوا أن الأمر ليس كذلك
يُؤخذ هذا على أنه تعبير يفكر فيه الأوروبيون اجتماعيًا وليس أنانيًا – استنادًا إلى منطق مفاده أن المواطن المتعلم ذو الأنانية يجب أن يكون أكثر رفضًا لطالب متعلم بدرجة عالية من طالب لجوء منخفض التعليم، لأن هذا الأخير لا يشكل تهديدًا للوضع الوظيفي المتعلم.
ولكن ربما يفكر المواطنون في فئات أكثر دقة من التعليم العالي أو المتدني على سبيل المثال.
فإن كنت صحفياً أنانياً، لن ترفض بالضرورة الأطباء أو أساتذة العلوم السياسية أو المحامين، لأنك لا تخشى المنافسة المهنية من طبيب أو محامي أو أستاذ. يجب على الصحفي الأناني أن يرفض على وجه التحديد الصحافيين وليس الأشخاص ذوي التعليم العالي بشكل عام.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لا أعتقد أن الدراسة يمكن لها أن تعلن لنا أن الأوروبيين مؤتمنين اجتماعيين حقاً.
أساس مشترك بين الشعوب
بحثت الدراسة أيضاً في النسبة التي سيقبلها المشاركون في الدراسة من طالبي اللجوء. وكانت النتيجة ملحوظة. إن الفارق الصغير نسبيًا في نسبة المتقدمين الذين سيقبلهم مواطني الدول الأوروبية المختلفة مثير للاهتمام فيما يتعلق بالنقاش العام في المجتمعات الأوروبية.
في الدنمارك على سبيل المثال، ينشغل كثير من الناس في إخبار الدنماركيين عن مدى فظاعة قوانينهم وتعاملهم تجاه طالبي اللجوء. في بعض الأحيان يمكن للمتتبع الحصول على الانطباع بأننا نعيش في ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين. لكن نتيجة الدراسة تؤكد أن الدنماركيين ليسوا أسوأ أو أفضل من بقية أوروبا.
أما بالنسبة لنسبة المهاجرين التي يبدو أن الأوروبيين على استعداد لقبولها، فإن الأرقام تشير إلى أن حوالي نصف جميع طالبي اللجوء يجب أن يحصلوا على اللجوء في حال تم سؤال الأوروبيين.
* كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك.
شارك رأيك