النهضة وحلفاؤها يريدون حكومة محاصصات حزبية، مثل كل التي فشلت خلال السنوات العشر الأخيرة، و لكن يرجح أن تكون حكومة هشام المشيشي بعيدة عن الأحزاب وبمباركة الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وعدد من الأحزاب الوسطية واليسارية و طيف واسع من المجتمع المدني الذي ينتظر نتائج ملموسة و إنجازات أظهرت الأحزاب أنها عاجزة عن تحقيقها.
بقلم توفيق زعفوري *
عندما يتكلم عبد الكريم الهاروني أو نور الدين البحيري أو عماد الخميري، أو أي قيادي من الصف الأول من حركة النهضة الإسلامية تخال نفسك تسمع عياض اللومي أو أسامة الخليفي أو نبيل القروي، من قياديي حزب قلب تونس، فسبحان الذي ألّف بين قلوبهم بعد تنافر و تباعد، تحالف و تصالح أعداء الأمس، فكانت التوليفة “المخضرمة” : قلب نهضة إئتلاف.
قادة النهضة يحتاجون الأحزاب التي توصلهم للسلطة، لا الأحزاب التي تتقاسمها معهم
حكومة بدون النهضة لا يتصورها قياديو النهضة ولا يتصورون أزمة سياسية كل 4 أو 5 أشهر، ولا يتصورون أنفسهم خارج دوائر السلطة والنفوذ للأسباب التي نعرفها جميعا… المعارضة لا تليق بهم! لهذا يبدو التحالف مع نبيل و الائتلاف و من باعوا الذمم كورقة رابحة وعنصر قوة ونفوذ… وهو تحالف يخدم حركة النهضة أكثر من حلفائها، لأنها تعترف بالأحزاب التي توصلها للقصبة لا بالأحزاب التي تشاركها الحكم عكس ما يظهرون و ما يصرحون في كل مرة… يكثرون من الحديث عن الديمقراطية، التي توصلهم للحكم فقط، و يحتاجون الأحزاب التي توصلهم للسلطة، لا الأحزاب التي تتقاسمها معهم.
و لكن كيف ترى النهضة حكومة المشيشي القادمة؟
حكومة كفاءات وراءها أحزاب، عكس حكومة الحبيب الجملي ذات الكفاءات المستقلة، هكذا قال عبد الكريم الهاروني، في إشارة واضحة لكفاءات نهضوية ضحت سنوات عديدة و حان وقت اضطلاعها بمهام سامية في الدولة، حسب رأيه. نفس الشيء تقريبا قاله نبيل القروي، و سيف الدين مخلوف: أتينا لنحكم و مستعدون للحكم!
حكومة كفاءات للإنقاذ الوطني أو حكومة محاصصة حزبية و قسمة سياسية
إذا كان رئيس الحكومة المكلف غير مستعد للتفاعل إيجابيا مع تصور النهضة و شركائها للحكم، فسيكون مظطرا لاختيار شخصيات من الوسط واليسار و يخسر بذلك سند أحزاب اليمين و أحوازه. و إذا اتخذ من الطيف الوسطي واليساري شخصيات أو كفاءات لتحكم، فسيخسر بالطبع دعم اليمين وتسقط حتما حكومته في جلسة نيل الثقة في البرلمان، أو بعد مدة من منحها الثقة كما حدث لحكومة إلياس الفخفاخ.
إذن، من وجهة نظر النهضة و شركائها، ملامح حكومة كل التونسيين، هي بداهة حكومة محاصصة حزبية و قسمة سياسية حسب الموازنات البرلمانية.
من الواضح بعد تصريحات محمد عبو و زهير المغزاوي، الذين لا يرون مكانا للنهضة و أخواتها في الحكومة القادمة، و من تصريحات قياديي النهضة وقلب تونس، أن هناك تباعدا في الرؤى و التصور لمستقبل الحكومة وبطبيعتها، ولا يستطيع هشام المشيشي جسر هوة التباعد في زمن قياسي، فلا وقت للتفاوض أو إعادة التشاور، فهل سيمشي المشيشي على خطى الرئيس الذي يرى في اتباع الأحزاب مضيعة للوقت و إهدار لمصالح المواطنين؟
انتظارات التونسيين أعلى من حسابات الأحزاب على أهميتها في نظام برلماني و تحالفات حزبية تقلب مستقبل الحكومات (حكومة الحبيب الجملي نموذجا). و السيد هشام المشيشي أمام باب التاريخ، إما أن يخضع لضغوط الأحزاب على أهميتها و نفوذها البرلماني، و يكون كمن سبقه ضعيفا في القصبة وعاجزا على حلحلة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية أو سيأتي بما لم يستطعه الأوائل ؟
حكومة الرئيس بعيدة عن الأحزاب وبمباركة إتحاد الشغل و اتحاد الأعراف
النهضة وحلفاؤها يريدون حكومة سياسية، رغم طبيعة المرحلة و دقتها وأهمية تحريك الملف الاقتصادي والإجتماعي خاصة في علاقة بالجنوب الشرقي والجنوب الغربي، وهو ما يرجح أن تكون حكومة الرئيس بعيدة عن الأحزاب وبمباركة الإتحاد العام التونسي للشغل و الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهي حكومة ممكنة خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار أولى الشخصيات التي تشاور معها المشيشي (محافظ البنك المركزي الحالي والأسبق)، إضافة إلى السند السياسي الحاصل حاليا و الدعم القادم في البرلمان من طرف الاحزاب المحسوبة على الوسط واليسار، ما يضع النهضة و أحوازها في حرج فيضطرون باسم المصلحة الوطنية و ضغط الوضع الاقتصادي و غليان الشارع وضرورة التسريع في الإنجاز و مراعاة لصورة تونس في الخارج… إلى منح هذه الحكومة الثقة وضمان استمرار الدولة، إذ لا يمكن أن تستمر فترة تصريف الأعمال طويلا، ما ينعكس سلبا على مختلف الأوضاع وربما يؤدي إلى انفجار غير محسوب العواقب…
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك