بعد فشل الأحزاب في تلبية أدنى الإستحقاقات، الحفاظ على الدولة من التجاذبات السياسية هو غاية ما يطمح اليه الرئيس قيس سعيد و رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، فالأحزاب لم تكن في مستوى تطلعات التونسيين على امتداد عشر سنوات و فشلت فشلا ظاهرا في إخراج البلاد من أزماتها و إعادة تشريكها في إدارة الشأن العام يعني بداهة الدخول في معارك المناطق و المحاصصة الذي لا حدود له و السير نحو المجهول…
بقلم توفيق زعفوري *
يواجه رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي امتعاضا سياسيا ظاهرا حتى قبل الكشف عن الكفاءات المستقلة لحكومته و هو مدرك لخياراته التي لا تخرج عن خيارات الرئيس قيس سعيد. هذا منطق واقعي برغماتي، أما المنطق السياسي و الديمقراطي فيقول أن الأحزاب جُعلت لتحكم بقطع النظر عن هويتها واتجاهاتها فإن الأغلبية البرلمانية في نظامنا السياسي هي المخول لها دستوريا أن تختار رئيس الحكومة و أن تحكم، فغاية الأحزاب والانتخاب هو الوصول الى السلطة، و قد كانت لنا تجربة في ذلك مباشرة بعد ثورة 2011.
هل نحن فعلا ذاهبون إلى انتخابات تشريعية مبكرة ؟
أما وقد اختار هشام المشيشي أن تكون الحكومة المقبلة متعالية عن الأحزاب و بعيدة عن التجاذبات و المناكفات، وهو مبرر خياره، فهي ستبقى كما قال القيادي في حركة النهضة على العريض معزولة، وأن مرورها في البرلمان غير مضمون، وإذا حظيت بالثقة في المجلس فإن متابعي الشأن السياسي يرون أن مصيرها لن يختلف عن مصير حكومة الفخفاخ، و لن تستمر أكثر من شهرين أو ثلاثة حتى الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة. هذا الرأي يتقاطع فيه العريض مع التيار الديمقراطي، فهل نحن فعلا ذاهبون إلى انتخابات تشريعية مبكرة؟
الوضع الاجتماعي و الاقتصادي في تونس ليس مبررا لاختيار طبيعة الحكومة و رئيس الحكومة المكلف هو وحده من يتحمل مسؤولية خياراته و يدرك جيدا أن حركة النهضة و حلفاءها لديهم ما يقارب ال 120 صوتا على السيد هشام المشيشي أن يقرأ حسابا لهذا الوزن البرلماني الفارق و الفاصل في تمرير الحكومة من عدمها.
أثبتت جميع الأحزاب أنها فاشلة و أن وزنها الشعبي يتآكل يوما بعد يوم
ولكن، من جهة أخرى، أليس من الضروري اختيار طريق و أسلوب آخر في إدارة الدولة طالما أثبتت جميع الأحزاب يمينها و يسارها و خليطها أنها فاشلة و أنها سبب الأزمة، و أن وزنها الشعبي يتآكل يوما بعد يوم؟ أليس من حق الرئيس و الحال تلك أن يتحرك في إتجاه معاكس للأحزاب و الرياح الأيديولوجية خاصة مع ما يحظى به رئيس الحكومة المكلف من سمعة لدى الأحزاب و من خبرة في الإدارة تمثل عنصر قوة في حلحلة الملف الإقتصادي وفرصة له كي يسهم في استقرار الأوضاع التي زادتها الأزمة الصحية حدة و عمق؟
من حق الأحزاب القوية ذات التمثيلية الكبيرة أن تساهم في إدارة الشأن العام و من حق صاحب التكليف أن يتحرك في اتجاه الحفاظ على أمن البلاد و العباد بالطريقة التي يراها مناسبة، و الرئيس مازال يتحرك في سياقات قانونية ودستورية.
بعد فشل الأحزاب في تلبية أدنى الإستحقاقات، الحفاظ على الدولة من التجاذبات السياسية هو غاية ما يطمح اليه الرئيس، فالأحزاب لم تكن في مستوى تطلعات التونسيين على امتداد عشر سنوات و فشلت فشلا ظاهرا في إخراج البلاد من أزماتها و إعادة تشريكها في إدارة الشأن العام يعني بداهة الدخول في معارك المناطق و المحاصصة الذي لا حدود له و السير نحو المجهول…
هل ستمر حكومة المشيشي و كيف لها أن تمر؟
التصويت على الحكومة القادمة سيكون تصويتا على البرنامج و على الكفاءات، فمتى حظيت الكفاءات بثقة الأحزاب نالت الحكومة الثقة فحتى ضغوط الداخل و الخارج و الانتخابات المبكرة هي عوامل نسبية في إعادة خلط الأوراق من عدمها… بمعنى اخر، المشهد يبدو مفتوحا على جميع الإحتمالات… خاصة وأن البلاد قادمة على أزمة اجتماعية كبرى بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منذ 2011 والتي تعمقت خلال العشر سنوات الفائتة وزادتها جائحة الكورونا ثقلا على كل المواطنين. فقد أعلن البنك المركزي منذ أيام أن نسبة الإنحسار الاقتصادي قد تصل في موفى هذا العام إلى مستوى 10 أو 12 سلبي وهي نسبة لم تعرف مثلها البلاد منذ استقلالها في عام 1956.
الأسابيع القادمة ستكون صعبة جدا ونتمنى ألا تزيد الأحزاب في الطين بلة لأن ذلك لن يخدمها بالمرة بل سيسرع سقوطها المدوي في نظر المواطنين.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك