يعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي خطوة أولى نحو تداعي هذه الأمة التي قال عنها المولى عز وجل إنها خير أمة أخرجت للناس، وإنها أمة حنيفية تتبع ملة إيراهيم عليه السلام وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالرسول الكريم عليه السلام قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وهاهو جسد هذه الأمة بدأ يتداعى ويتقطع وينهار شيئا فشيئا بعد هذا الاتفاق الذي صنعه ترامب ونتنياهو وها هو الشرق الأوسط الجديد بدأت ملامحه تظهر للعلن، وها هي صفقة القرن بدأت تنشر أولى صفحاتها.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
دولة الإمارات العربية المتحدة التي عقدت الاتفاق رسمت لنفسها اليوم نهجا جديدا في تعاملها مع دولة الاحتلال الصهيوني ولم تعد تعترف بأنها دولة احتلال بل أصبحت في نظرها دولة إسرائيل وتعترف بوجودها وكيانها وحقها في الحياة جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين الذي يئسوا من العرب ومن محاولاتهم البائسة والفاشلة في انتزاع حقوقهم التي اغتصبها الكيان الصهيوني.
اتفاق سلام أم تطبيع مع الكيان الصهيوني ؟
هذا الاتفاق كما سمته قناة العربية وتدافع عنه بشدّة، بينما سمّته قناة الجزيرة تطبيعا مع دولة الاحتلال، قد أظهر تنافسا محموما بين القنوات الفضائية التي بارك بعضها وتهجّم عليه بعضها الآخر واعتبره مكافأة لدولة الاحتلال على ما مارسته من عنف ضد الفلسطينيين طوال سبعين عاما، ومن ثم بدأنا نرى هذا التداعي وبدأنا نرى بأعيننا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتجسد واقعا حين قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”. فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن”. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا، وكراهية الموت”.
وفعلا بعد هذا الاتفاق بدأ تكالب الدول المباركة له والتي تؤيده جملة وتفصيلا بينما حذّرت منه دول أخرى وتعتبره بداية لخطر داهم على الأمة ويسهم في انقسامها وتحوّلها إلى كتل متحاربة ومتضاربة، وبينما تبرّر الإمارات موقفها بأن الاتفاق أسهم في تعليق ضم الضفة الغربية لإسرائيل بقي العالم الإسلامي أو بالأحرى الشعوب الإسلامية مندهشة لما حدث وما يحدث.
والغريب أن البعض سماه اتفاق سلام، فهل كانت الإمارات العربية المتحدة في حرب مع إسرائيل حتى تعقد اتفاقية سلام، وإنما ما فعلت ذلك إلا بعد أن تغلغل التعاون بين الدولتين ووصل مرحلة من اليقين أن الشعوب الإسلامية في العالم لن تقوم لها قائمة، ولن تحتج وترتجّ لحصول هذا الاتفاق بين دولة عربية مسلمة وأخرى يهودية صهيونية محتلة، ومن هنا بدأت تتغيّر المفاهيم وتتغيّر المصطلحات، ويتغيّر معها وجه العالم، فهل بدأت الإمارات تنسلخ من عروبيتها وإسلامها، حتى تحتضن إسرائيل أو ترتمي في أحضان إسرائيل، وما الذي ينقصها حتى تعقد مع دولة احتلال صفقات واستثمارات وغيرها من المبادلات، وهل تعتقد الإمارات أن بني صهيون جادون في هذا الاتفاق، ألم تتعلّم الإمارات الدرس؟ ألم تنقض الدولة اليهودية كل الاتفاقات والعهود؟
خطوة خطيرة أخرى نحو الانقسام العربي الإسلامي
إن دولة الاحتلال ما عقدت هذا الاتفاق إلا لتسلب دولة الإمارات وتنهب ثرواتها، وهي خطوة خطيرة نحو الانقسام العربي الإسلامي، ودليل على فناء الدولة الفلسطينية، والتعدي على المقدسات الإسلامية، وتركيز لغة الاحتلال القمعي، والسيطرة على الأراضي وتفعيل الانتهاكات بشكل سافر وقوي، فهذا الاتفاق يعني إطلاق اليد اليمنى لنتنياهو في أن يفعل بالشعب الفلسطيني ما يريد، وهو بمثابة الضوء الأخضر من أمريكا للقضاء على كل الحركات الإسلامية في الدول العربية، وأولها حركة الإخوان المسلمين، والقضاء على حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وقد بدأت فعلا هذه اللعبة الماكرة، فاليوم انقلب الشارع اللبناني على المقاومة وبدأ الحديث عن اغتيال السيد حسن نصر الله والقضاء نهائيا على حزب الله وقطع يد إيران والتغني في الإعلام بأنها دولة إرهابية تدعم الإرهاب وتحشد العالم من أجل إسكات صوتها وقمعها، حتى تنهار إما من الداخل أو من الخارج.
هذا الاتفاق فرض عالما جديدا كان مخططا له، واليوم صار واقعا لا حبرا على ورق، وهذا ما يميز الآخرين عن العرب، حيث خططُهم تُنفّذ وخططُنا تظلّ في الرفوف، وحيث هم يتوحّدون في تغيير العالم العربي والإسلامي نحو الأسوأ، نزداد نحن في الانقسام والانسلاخ، وهذا هو عين التداعي الذي حذرنا منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، إننا اليوم أمام مشهد مرعب حقا لا يحق لنا العيش فيه، عالم منهار من الداخل تغلفه قشور الشجاعة المزيّفة والحماسة الفارغة التي عبّأنا بها الكتب والمجلات والمقالات والندوات والمؤتمرات ولم تسفر إلا عن لقاءات مشبوهة والإعلان عن التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال الغاصبة.
لكن الأسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال، هل سيظل محور المقاومة ثابتا في وجه هذه الأعاصير؟ وهل ينجح ما تبقى من الدول التي ترفض التطبيع وتعتبره جريمة وخيانة عظمى في الصمود والثبات على المبادئ والقيم، أم أنها ستنهار كما انهار من قبلها؟ وهل يمكن أن نشهد تحولات كبرى في المنطقة واتفاقات بالجملة مع دولة الاحتلال الصهيوني؟ وهل ضاع المسجد الأقصى للأبد من أيدي المسلمين؟ وما مصير الملايين من الفلسطينيين المساكين، فلا دولة ولا مواطنة ولا هوية ولا مسكن ولا أبسط وسائل العيش الكريم، وهل ستندلع انتفاضة من الداخل الفلسطيني بعد كل هذا البؤس والشقاء والتعب والجفاء؟ أم أن الأمر مختلف عن ذلك بكثير.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك