ننشر في ما يلي نص الرسالة المفتوحة التي بعثت بها الناشطة السياسية والمناضلة الحقوقية إلى رئيس الدولة قيس سعيد الذي ربط حقوق عاملات جندوبة اللاتي زارهن في عيد المرأة باسترجاع الأموال المنهوبة التي فشلت دولة برمتها في استرجاعها وفي نفس الوقت طلب من هؤلاء الكادحات المفقرات مواصلة الانتظار و الصبر وباعهن الوهم من جديد.
بقلم سعيدة قراش *
صباح الخير سيدي رئيس الجمهورية، المعذرة على إزعاجكم هذا الصباح لكن نشاطكم و خطابكم في عيد المرأة يوم أمس الخميس 13 أوت 2020 دفعني الى طرح عدة تساؤلات منها:
1/ نساء جندوبة الفلاحات الريفيات الكادحات المقهورات المُبْتَزّات المعنفات بحكم واقع علاقات عائلية و اجتماعية واقتصادية تستغلهن وتأكل عرق جبينهن و تلتهم أجمل سنوات عمرهن في الحقول وفي المنازل ثم يُلقى بهن كالنواة بعد أكل أطيب الثمار، كيف ستبرّرون لهن أن كل ما ذكرت هو محسوم في القرآن وأن المطالبة بحقهن في الأرض التي يروينها بعرقهن في الحر والبرد والقيظ، هو من حق الذكور في عائلاتهن الذين لم يكونوا تحت الشمس مثلهن بالأمس بل كانوا في المقاهي او يتفيؤون جدران حيهم و يلعبون “الخربقة” و يترشفون الشاي و يعِدّون المارة جيئة وذهابا هو ضرب من الترف الفكري و الكفر بأحكام الله في دولة قلتم أن لا دين لها اَي أنها مدنية بحسب الفصل الثاني من دستورها وأنكم مؤتمنون على تطبيقه خاصة وأنه يتحدث عن المساواة و واجب الدولة في العمل على إقرارها وتحقيق تساوي الفرص بين مواطناتها و مواطنيها؟
2/ كيف يمكن أن تحدثهن عن العدالة الاجتماعية و التي تعني في ما تعنيه إعادة توزيع الثروات داخل المجتمع وبالتالي داخل العائلة اَي بين رجاله و نسائه وسيادتكم تحسمون استعبادهن وأكل حقهن وعرقهن من طرف ذكور العائلة بمجرد جملة قصيرة فاقدة لكل أثر لمعانتهن وهشاشتهن وخالية من كل نصرة لحقهن في حياة كريمة وتعتبرون ان من طرح الدفاع عنهن له نوايا خبيثة وتآمرية وأن القرآن حسم الأمر و انتهى وأن من لا يقبل هذا الظلم في تأويل الآية و فهمها من أجل تحقيق العدل والإنصاف بما أنه جوهر الدين و جوهر خطاب الله في خلقه وجوهر القضاء على التمييز والعنف هو مجرد عميل مارق على قانون الأرض و السماء؟؟
3/ كيف يمكن ان تفسروا لهن أرقكم و حزنكم و تعاطفكم معهن و الحال ان قرابة 80% من الملكيات العائليةالفلاحية تعمل بها النساءالكادحات مثل نساء جندوبة اللاتي زرتموهن بالأمس و لكن بدون أجر الا ما يجود به ذكور العائلة و بلا تغطية اجتماعية و بلا نظام حماية اجتماعية و منحة شيخوخة عندما ينتهي وقود أجسادهن و تلقي بهن ضروب الحياة و صُنوفها خارج دورة الكرامة تطبيقًا للقاعدة في علم المواريث الذي تحدثتم عنه في خطابكم بالامس؟
4/ كيف ستقنعهن بأن لذكور عائلاتهن كل الحق في استغلالهن طالما ان ليس لهن حسابات بالخارج و أن المساواة في الإرث مطلب يهم الأثرياء و ان استرجاع الأموال المنهوبة سيرفع عنهن الضيم و يقيهن غائلة الخصاصة والفقر والتهميش وينسيهن آلام الحقول و عذابات الارض؟؟
إقرار المساواة في الإرث تكريس للدستور و روح الإسلام في اعتداله وانفتاحه على واقع الناس
ملاحظة أخيرة، لا يمكن قبول فكرة ربط حق النساء في حياة كريمة وحقهن في حمايتهن من الفقر والاستغلال العائلي لجهودهن من أجل الإثراء على حساب بؤسهن و تخلي الدولة عن حمايتهن بإقرار حقهن في نصيب من الثروة التي يساهمن في خلقها وذلك باقرار المساواة في الإرث تكريسا للدستور و روح الإسلام في اعتداله وانفتاحه على واقع الناس واستيعابه لتطور العلاقات داخل المجتمعات التي حلّ بها و لا أدل على ذلك من تطور مسألة الإرث ذاتها منذ الجاهلية إلى حين قدوم الإسلام لذلك وجب الخروج من دائرة التأويل الذكوري للقرآن.
لا أعتقد أنكم لستم على اطلاع على كل الجدل الفقهي داخل فقهاء المسلمين حول الآتي: هل أن ما تقره الآية هو الأدنى الذي لا يجب النزول عنه و لا يمنع من المضي إلى الأقصى اَي المساواة أم هو حكم قاطع لا يقبل الخوض فيه و هل ان أحكام الإرث تندرج في باب المعاملات تتطور بتطور المجتمعات أم هي تندرج في باب العبادات؟
و لماذا كل ما تعلق الأمر بنظرة ذكورية للمساواة نلبسها ثوب القدسية؟
أما ربط حقوق عاملات جندوبة اللاتي زرتموهن في عيد المرأة بما يعنيه من رمزية باسترجاع الأموال المنهوبة فهو أمر يستعصي على فهمي البسيط إذ فشلت دولة برمتها في استرجاع الأموال المنهوبة ومقاومة الفساد والتهريب وفي نفس الوقت نطلب من الكادحات المفقرات مواصلة الانتظار و الصبر و نبيعهن الوهم.
* مستشارة سابقة لدى رئيس الجمهورية.
شارك رأيك