في موضوع المساواة في الميراث الذي أعاد طرحه رئيس الجمهورية قيس سعيد في خطابه بمناسبة العيد الوطني للمرأة، يمكن أن تساءل كيف يعقل أن يكون النص الوضعي الأوروبي وكذلك مشروع هيئة الحقوق والحريات في تونس أرحم وأعدل من الخالق الله تعالى العادل بدعوى أنه أراد سبحانه عدم المساواة بحكمة لا يعلمها إلا هو…
بقلم عبد الرزاق بن خليفة *
القول بأن المساواة في الإرث مخالفة للشريعة هو اجتهاد من ضمن اجتهادآت أخرى في فهم النص القرآني، وهذا الاجتهاد لا يملك الحقيقة المطلقة، حتى وإن تبنته أغلبية، لأن القرآن الكريم وحي نزل بلغة هي اللغة العربية، وكل لغة قابلة للتأويل لأنها تتكون من مفردات و عبارات صاغها المتكلمون بها عبر التاريخ، ولكل لغة معان وسياقات، وكما لا توجد عبارة في أي لغة غير قابلة للتأويل، لا يوجد نص قرآني واحد غير قابل للتأويل أيضا…
وليس أدل على ذلك من اختلاف المسلمين حول العقيدة منذ فجر الإسلام إلى درجة التقاتل (مثلا حول موضوع خلق القرآن)، والفرق بين مؤولي ومفسري النصوص بشكل عام والنص القرآني بشكل خاص هو منهج التأويل، فمنهم من يعتمد منهج الظاهر ومنهم من يعتمد منهج الباطن، ومنهم من يعتمد كليهما، ومنهم من تأثر بالمناهج العصرية في التأويل المتاثرة بالفلسفة والابستمولوجيا وعلوم اللغة واللسانيات، ومنهم من يعتمد النقل ومنهم من يعتمد العقل، ومنهم من يعتمد المنهج المقاصدي (العبرة بالغاية) ومنهم من لا يعتد بذلك…
ليس هناك ناطق رسمي باسم الله
لكل هذا ليس هناك ناطق رسمي باسم الله يملي على الناس المعنى الحقيقي لآيات الميراث وغيرها… ويكفي أن نذكر باختلاف “الفقهاء” حول نسخ آيات الميراث (لا وصية لوارث) لآية الوصية بين موافق ومعارض وتعارض قاعدة لا وصية لوارث مع ما ورد في أية “إذا حضر أحدكم الموت”…
شخصيا أراني أميل في تفسير النصوص بشكل عام والنص الديني بشكل خاص إلى التأويل الموضوعي (عكس التاويل النصي)، لأن النص واللغة عموما كائن حي يتبدل معناه بتبدل السياق والظروف الموضوعية…
وفي موضوع المساواة في الميراث، أتساءل كيف يعقل أن يكون النص الوضعي الأوروبي وكذلك مشروع لجنة الحقوق والحريات أرحم وأعدل من الخالق الله تعالى العادل؟ بدعوى أنه أراد سبحانه عدم المساواة بحكمة لا يعلمها إلا هو…
كيف نرضى بأن يكون شرع البشر أرفق بالمرأة من الذات الالهية ؟
كيف نرضى بأن يكون شرع البشر أرفق بالمرأة من الذات الالهية بتعلة انها من آيات الاحكام؟ هل الخوف من الله يعني الامتثال إلى اياته المحكمة بطريقة عمياء ودون تدبر وتبصر، وهو الذي دعانا إلى التعقل والتبصر 47 مرة في نص القران الكريم على الاقل؟
الإسلام دين الفطرة كما علمونا منذ الصبى، فكيف نجعل من الذكر أكثر نصيبا من شقيقته في القرن الواحد والعشرين، في زمن ومجتمع يسير نحو هيمنة المرأة على كل القطاعات بفضل ذكائها وتفانيها أكثر من الرجل ونتائج الامتحانات والمنلظرات وتقارير الإدارة حول الفساد وشبه انعدام وجود ظاهرة الفساد المالي لدى النساء؟!
المرأة التونسية تشتغل داخل وخارج محل الزوجية والرحل في الغالب يشتغل خارج محل الزوجية فقط فيما تتحمل المرأة مسؤولية مزدوجة، هل هذا العدل الالهي كما فهمه البعض باليات تاويل قديمة ؟ أليس من الإساءة إلى الله أن نجعل من الإعلانات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان و الاتفاقيات الدولية حول حقوق المرأة أكثر عدلا من أحكام القرآن!؟
إخراج المجتمع من ثقافة التلقين والإملاء والاجترار
طبعا لا يمكن أن يكون الله أقل رحمة بعبيده من القانون الوضعي الأوروبي، لهذا من يرى في المساواة في الإرث مخالفة للشرع أقول له إ”نه شرعك انت كما تصورته” وان الفيصل هو ما يقرره ممثلو الشعب بطريقة ديمقراطية… بعد جدل ونقاش مجتمعي رصين ومتعقل. وإني على يقين أن رأي جماعة المساواة سيفرض نفسه يوما ماعلى رأي جماعة اللامساوات، طالما حافظنا على الديموقراطية والحرية وأطلقنا للمجتمع عنان التفكير وأخرجناه من ثقافة التلقين والإملاء والاجترار…
سيقول بعضهم بأن التأويل حكرعلى “العلماء” وهم بذلك يجعلون من الإسلام دين كهنوت… ويغلقون باب الاجتهاد… ويضعوا أنفسهم اختيارا تحت نظام الاستبداد الفكري.
وحسب رأيي ساهم الخطاب اللبرالي و اليساري في وضع الإسلام السياسي في الزاوية رافضا التعامل معه لأسباب سياسية والحال أن الموضوع مجتمعي بالدرجة وليس سياسيا فقط… الخلاف مع الإسلام السياسي يجب أن يفصل وسط حوار مجتمعي رصين وواعي ولا يمكن أن ينتهي بالعنف… وان كل محاولات إقصائه تؤجل إلى أجل مسمى صراعا يتجاوز الأحزاب ويتجاوز حزب النهضة… هو صراع نعيشه جميعا داخل أسرنا وعائلاتنا ومع أصدقائنا… ومكابر من ينكر انقسام المجتمع التونسي إلى نمطي تفكير وعيش متناقضين لكن متعايشين اجتماعيا ويتصارعان سياسيا: نمط ليبرالي وعلماني (منفتح أساسا) و نمط محافظ (مرجعية دينية أساسا).
هذا الشقاق الاجتماعي fracture sociale لا يمكن اختزاله في صراع مع حزب والدليل على ذلك أنه تبرز بين الحين والآخر داخل الأحزاب والتعبيرآت التي تتبنى “التقدمية” أصوات سلفية (الشيخ الباجي في نداء تونس… قيس سعيد… شق من القوميين…).
* ناشط سياسي.
شارك رأيك