طارق الكحلاوي وعدنان منصر تملقا و تزلفا للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي و دعماه حتى في حماقاته وأخطائه لضمان مركزين متقدمين في دائرة الحكم ولما سقط هذا الأخير واندثر حزبه ومني بهزيمة مذلة في انتخابات 2014 مسحا أيديهما منه وتواريا عن الأنظار ليعودا اليوم بالأسلوب ذاته عارضين خدماتهما على قيس سعيد عبر مسالك إتصالية ملوثة بالتزلف والتقرب.
بقلم مصطفى عطية *
كلما سمعت أو رأيت أو شاهدت أحدهم، ممن تعودوا ركوب كل الموجات الصاعدة، وهو يجاهر بمناصرته لقيس سعيد، مادحا حد الإيغال في التفاهة المقرفة، متزلفا حد الإنبطاح في حضيض الوضاعة إلا وتذكرت تلك القولة المأثورة عند العرب ينسبونها لعلي بن أبي طالب تارة ولغيره تارة أخري : “اللهم أكفني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم”.
لا شك أن قيس سعيد المتبحر في تراث السلف الصالح، حسب ما يضمنه من مآثر الأقدمين في خطبه وتصريحاته، يعرف هذه القولة، ولكني لست متأكدا إن كان يتبنى معانيها ومقاصدها ويعمل بها، لذلك وجدت نفسي مرغما على تذكيره بها بعد أن تكاثر المنافقون الذين يحلقون في مداراته توددا وتقربا.
في التطبيل والتزمير ومخاطرهما
يروى عن المتوكل أنه خرج في رحلة صيد فتبعه أحد المتملقين طمعا في التقرب إليه، في الأثناء مرت حمامة متهادية، فرماها المتوكل بسهم ولكنه لم يصبها ! صاح الرجل المتزلف : “أحسنت” ! غضب المتوكل غضبا شديدا وٱعتبر ما قاله الرجل إستهزاء منه وأومأ لحراسه بالقبض عليه ! فما كان من الرجل الجاهز لكل الطوارئ إلا أن أردف : “أقصد بقولي أنك أحسنت للحمامة يا مولاي” !
هكذا هم المتزلفون في كل الأزمنة والأمكنة، لا يكفون عن دق طبول الكذب والتمويه والمغالطة، والنفخ في مزامير تمجيد وتعظيم وتأليه الجالسين على كراسي النفوذ.
من دفع ببورقيبة إلى القبول بلقب “رئيس مدى الحياة”؟ ومن أوهم بن علي بأن أفراد عائلته وأصهاره فوق القانون ؟ ومن استغل الهشاشة الفكرية والنفسية للمنصف المرزوقي وأسقطه في متاهات العظمة الوهمية؟ هم المداحون والمنافقون، وهكذا هم في كل الأزمة والأمكنة!
كان الإسكندر الأكبر يخرج إلى الجموع الغفيرة التي تنتظر إطلالته لتهلل له تمجيدا وتأليها كلما حقق نصرا وضم بالقوة منطقة أخرى إلى إمبراطوريته فتأخذه نشوة العظمة إلى حد الإعتقاد بأنه إرتقى إلى مرتبة الآلهة، ولكن مستشاريه يهرعون إلى الإحاطة به وهم يرددون على مسامعه : “لا تنسى أنك بشر… لا تنسى أنك بشر…”.
أتمنى أن يكون لقيس سعيد بعض المستشارين كما مستشاري الإسكندر الأكبر حتى يقطعوا الطريق على الذين يتنافسون على التهليل له ومدحه بكل لغات النفاق الوضيع.
أخطر من المدح والتطبيل، التقرب والتزلف
إلى جانب جحافل المطبلين نجد جحافل أخرى أكثر ضراوة في الفتك بصورة كبار المسؤولين، وهم الذين دأبوا على التحليق حول كل صاعد جديد إلى سدة الحكم، ومن هؤلاء أذكر طارق الكحلاوي وعدنان منصر، الذين كثفا في الأسابيع الأخيرة من إطلالاتهما الإعلامية، بتواطؤ مفضوح من بعض المندسين في بلاط صاحبة الجلالة والمتسللين إليها من مجاري الإنتفاعية الرخيصة والإنتهازية المبتذلة، ليقدما نفسيهما كمناصرين لقيس سعيد ومدافعين عن توجهاته وٱختياراته، كما فعلا من قبل مع منصف المرزوقي حتى أوهماه بأنه “البطل المنقذ” ودعماه في متاهاته التي أضرت بالبلاد والعباد وأفقدت الدولة هيبتها والوطن استقراره، حتى أصبح قصر قرطاج، رمز السيادة الوطنية، مسرحا لتلاقي المجموعات المتشددة والمتطرفة من دعاة التكفير وساءت علاقاتنا مع العديد من البلدان الشقيقة والصديقة، وعمت البلاد فوضى عارمة مازالت آثارها بادية إلى يوم الناس هذا.
فعل طارق الكحلاوي وعدنان منصر كل هذا لضمان مركزين متقدمين في دائرة المنصف المرزوقي ولما سقط هذا الأخير واندثر حزبه ومني بهزيمة مذلة في انتخابات 2014 مسحا أيديهما منه وتواريا عن الأنظار ليعودا اليوم بالأسلوب ذاته عارضين خدماتهما على قيس سعيد عبر مسالك إتصالية ملوثة بالتزلف والتقرب.
أنا على يقين من أنهما يحرثان في البحر وينفخان في قربة مقطوعة، فكل أوراقهما محروقة وقد تحولت إلى رماد يروي فشلهما الذريع في ما تولياه من مناصب لا يستحقانها، كما أن قيس سعيد ليس منصف المرزوقي لتنطلي عليه محاولاتهما المفضوحة في التقرب إليه، ولكن لا بد من تذكيره وإعادة تذكيره بأن خطر المتزلفين كما خطر المداحين بل أشد ضراوة.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك