أعلن السيد هشام المشيشي رئيس الحكومة المكلف مساء أمس الإثنين 24 أوت 2020 عن تشكيلة حكومته التي ستعرض على البرلمان في وقت لاحق للتصويت عليها ومنحها الثقة وسط شكوك من أن النهضة غيّرت موقفها السياسي من الحكومة المرتقبة بعد أن رفضت بشدة سابقا أي حكومة تكنوقراط أو كفاءات وأصرت على أن تكون الحكومة المقبلة حكومة أحزاب.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
بعد إصرار المشيشي على السير في نهج اختيار الكفاءات بعيدا عن الأحزاب ليس أمام النهضة إلا القبول أو الاتجاه إلى حل البرلمان وهو حل مرّ من عدة جوانب، أهمها عدم تحمل البلاد أعباء إجراء انتخابات برلمانية جديدة في ظل انهيار الاقتصاد وانخفاض القدرة الشرائية إلى أدنى مستوى والخوف من نتائج الانتخابات المقبلة لأنها قد تؤدي إلى تراجع كبير في عدد المقاعد التي تحصل عليها النهضة بعد الاحتقان الشديد في الشارع التونسي.
على المشيشي أن يثبت للشعب التونسي أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور
وتبقى الحكومة الجديدة أمام امتحان حقيقي، وهو أقرب إلى منح الثقة لأن البرلمان بصيغته الحالية وتركيبته الجدلية سيرفع الراية البيضاء للسيد قيس سعيد الذي أبى إلا أن يفرض هذه الحكومة بعد التجاذبات العسيرة بين الأحزاب في حكومة الجملي التي لم تر النور، وسحب الثقة عن حكومة الفخفاخ بعد نيلها الثقة، لكن وبعد منح الثقة سيبقى على المشيشي أن يثبت للشعب التونسي أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور، وأنه يعمل في اتجاه إنقاذ البلاد ولو ببطء شديد لأن الوضع الآن لا يحتمل ولا يتحمل المزيد من الانهيارات المالية أو التجاذبات الحزبية، وسيحدد مجلس النواب موعدا لمنح الثقة للحكومة أو الاختيار الثاني المرّ وهو حل البرلمان والتوجه نحو انتخابات جديدة.
ويبقى على الأحزاب التي كانت ترفض حكومة تكنوقراط أو حكومة كفاءات تحديد موقفها وبلورة سياساتها في التعامل معها وفق آليات وضوابط معينة فإما أن تتعاون كليا أو جزئيا مع الحكومة الجديدة أو تعطل القرارات والقوانين وبالتالي ستتعطل معها الدولة برمّتها، فالنهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب يبدو أنها ليست أمامها خيارات متعددة إذا أرادت تصويب بوصلتها نحو الشعب الذي ينتظر الحد الأدنى من الحكومة الجديدة المشكلة وإن كانت حكومة لم تولد من رحم الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الماضية.
الصراع بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب سيبقى على الأرجح قائما
ورغم أن منح الثقة سيكون على الأغلب واقعا لا بد منه، إلا أن الصراع بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب سيبقى على الأرجح قائما، لأن المشكلة متواصلة ولم تُقطع من جذورها، وإذا تم منح الثقة للحكومة فكان للرئيس قيس سعيد ما أراد، حتى يتمكن من تمرير برامجه عبرها خاصة إذا علمنا أن السيد هشام المشيشي عمل في ديوان رئاسة الجمهورية في بداية عمل الرئيس قبل توليه حقيبة الداخلية في حكومة الفخفاخ، وبالتالي ستكون لرئيس الجمهورية السلطة المباشرة عليها دون أي مناوشات حزبية من أي حزب كان سواء من النهضة أو قلب تونس أو ائتلاف الكرامة، أو غيرها من الأحزاب التي كانت ذات يوم تنتقد رئيس الجمهورية في تعامله مع الدستور وخاصة الفصل الـ89 منه.
وبموجب ذلك يريد السيد قيس سعيد أن تهدأ الأمور قليلا ويستقر المشهد السياسي في تونس بعد عناء دام طويلا في تشكيل الحكومة وبعد مخاض عسير دام شهورا، لكن إذا حدث العكس وهو ما يمكن أن يكون ضربة قاصمة للعملية السياسية في تونس لأنها حتما ستضر بالديمقراطية في مرحلتها الناشئة على المديين القريب والبعيد فإنه سيؤدي ذلك فعلا إلى تأثر الأحزاب واصطدامها برفض الشعب الانتخابات من جديد وعدم الإقبال عليها لأنها لم تُفرز إلى حدّ الآن تركيبة قوية في البرلمان لها سند حقيقي وقوي تستطيع الدولة من خلاله أن تنهض من جديد.
المشهد السياسي مازال مترنحا لأنه لا يملك أدوات القوة التي تؤيد استمراره
وعليه فإن المشهد السياسي في تونس مازال متأرجحا على الأغلب أو مترنحا إن صح التعبير لأنه لا يملك أدوات القوة التي تؤيد استمراره، فما دام هناك صراع كبير على السلطة وتقاسم بين الرئاسات الثلاث على الحكم، وفقدان الهُوية الوطنية وعدم الحد من التجاذب السياسي بين الأحزاب، فقد نشهد خلال الأيام المقبلة زيادة حادة في الانقسام السياسي مع تراكم غضب الشعب ومقته على الحالة الاجتماعية مما يؤدي إلى احتقان كبير وفشل ذريع في معالجة القضايا الداخلية وبالتالي قد يلجأ رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيّد إلى استفتاء شعبي أو مشروع قانون لمجلس النواب لتنقيح الدستور وعرض مشروع تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي يكون أكثر أمانا وأكثر مرونة في التعامل مع السياسات والأحزاب الداخلية وأكثر واقعية وجرأة في التعامل مع الدول على مستوى العلاقات الخارجية بإذن الله تعالى.
* محلل سياسي.
شارك رأيك