بعد تسع سنوات ونصف من العجز والتردد والتعثر حان الوقت لٱتخاذ القرارات الشجاعة التي تعيد الأمل للمواطنين وتمنحهم فسحة تطلع إلى الآفاق الرحبة. نقول هذا الكلام بعد أن انهمرت سهام الفاشلين والشعبويين مستهدفة كل محاولات إصلاح ما اقترفت أيديهم من جرائم في حق البلاد والعباد. فهل يجرؤ على اتخاذها رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي ؟
بقلم مصطفى عطية *
يتساءل المواطنون : هل يفكر هشام المشيشي، وهو يستعد لعرض حكومته على مجلس نواب الشعب لنيل ثقته، في إصلاح الأخطاء الفظيعة التي إرتكبها أسلافه بٱسم المد الثورجي؟
كيف تبقى البلاد بدون جهاز أمن الدولة وبدون وكالة للإتصال الخارجي وفي غياب محكمة دستورية وهيئات تقييم ومراقبة مستقلة وشرعية، في هذه الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المضطربة؟
هل يكون التدارك والترميم والإصلاح هو أساس برنامجه ؟ وقد علمنا من مصادر وثيقة الصلة بمحيط مشاوراته وإعداد برنامجه أن قائمة المؤسسات، وخاصة الإسترتيجية منها، التي تم تدميرها نتيجة الهستيريا الثورجية والغباء الشعبوي والحماقة السياساتية، موجودة على مكتبه وسيتم إستعادتها تدريجيا لتدعيم تماسك الدولة، بعد أن تأكد للجميع، بالحجة والبرهان، أن فقدانها قد أثر كارثيا على سير دواليب الدولة وأجهزتها وألحق أضرارا بالغة بأمن البلاد وصورتها في الخارج.
تداعيات التدمير “الثورجي” المتواصل
كما كان منتظرا تصاعدت أصوات العديد ممن ركبوا سروج العمل السياسي وٱرتبط تموقعهم في الساحة الموبوءة طيلة ما يقرب عن عشرية من الزمن بالفشل الذريع قبل أن يتفطن الشعب لزيفهم ويعيدهم إلى أحجامهم الحقيقية، وٱنبروا ينتقدون اختيارات المكلف بتشكيل الحكومة، مذ علموا ببرنامج الإصلاحات التي يعتزم إنجازها، وخاصة منها تلك المتعلقة بالأجهزة والمؤسسات التي عصفت بها رياح الحماقة الثورجية، وٱنطلقت، تبعا لذلك، مزايداتهم الشعبوية المحمومة رفضا لهذه الإصلاحات الحيوية، معتبرين إياها شكلا من أشكال “الثورة المضادة”.
لا أعتقد أن هؤلاء “الثورجبين” قد إطلعوا، ولو لماما، على الكلاسيكيات الفكرية والإيديولوجية وحتى الأدبية التي عالجت واقع الثورات والإنتفاضات في العالم وارتداداتها، وتضمنت، بأساليب مختلفة، الصراع بين الثوار الحقيقيين و”سراق الثورة” أي “خونة المستقبل” كما يصفهم رجيس ديبريه، ولا أظنهم يعرفون أن الجنوح إلى إصلاح ما أفسده التسرع والإرتجال هو سلوك ثوري نبيل، كان أتاه المناضل الكبير الراحل نلسن منديلا، والزعيم الثوري التشيكي الراحل فاكلاف هافال.
ليعلم هؤلاء الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي في البلاد قبل أن يكتشف الشعب زيفهم، ان “الثورة المضادة” التي عادوا للحديث عنها هذه الأيام بكثير من الإندفاع المحموم هي من صميم توظيفهم الإنتهازي لحراك الرابع عشر من جانفي 2011، ومن سعيهم الهستيري للقفز العشوائي على أهدافه لخدمة أجندات شخصية وحزبية وأجنبية مفضوحة، فالإنتهازية والرغبة الجامحة في الإنفراد بركوب سروج “الثورة” المزعومة يوحدان أصحاب المصالح الدنيئة المشتركة ويشكلان مكونات ومراحل ما يسمى بالثورة المضادة، أي أن هؤلاء الذين دأبوا على التحذير من إمكانية وقوعها هم مضرمو نيرانها وليس الذين يطالبون بالتراجع عن الأخطاء الكارثية كما يدعون.
حان الوقت لٱتخاذ القرارات الشجاعة
إن التراجع عن الأخطاء وتنفيذ الإصلاحات الضرورية وإعادة توظيف الكفاءات الوطنية العالية في كافة المجالات، هي الطريق الوحيدة المؤدية إلى إنهاء الإحتقان في البلاد والشروع الفعلي في البناء على قواعد سليمة، أما خلاف ذلك فكل المسالك مقطوعة، فبعد تسع سنوات ونصف من العجز والتردد والتعثر حان الوقت لٱتخاذ القرارات الشجاعة التي تعيد الأمل للمواطنين وتمنحهم فسحة تطلع إلى الآفاق الرحبة. نقول هذا الكلام بعد أن انهمرت سهام الفاشلين والشعبويين مستهدفة كل محاولات إصلاح ما اقترفت أيديهم من جرائم في حق البلاد والعباد.
لا شك ان الجروح والندوب التي خلفتها في قلوبهم هزائمهم، بعد عملية إقصائهم من الحكومة المقترحة، وخفوت الأضواء حولهم ، وإنسحاب الكثيرين من الذين كانوا محيطين بهم، قد أصابهم بداء الثأر الأسود والرغبة الحاقدة في معارضة كل إصلاح يسحب البساط من تحت أقدامهم. فبعض الأحزاب التى مازالت تلوح بشعارات ثورجية تثير إستهزاء الناس، لم تعد قادرة على جمع عدد من الأفراد يفوق عدد قيادييها في الإجتماعات التي تنظمها ، وبعض السياسيين الذين صاحبهم الفشل الذريع في كل تحركاتهم إندفعوا رافضين كل إنجاز من شأنه أن يعيد للدولة هيبتها ولمؤسساتها فاعليتها وللقانون سلطته.
يبدو هذه المرة ان اللعبة قد إنتهت ، وان الإصلاحات ستنجز بعد نيل الحكومة ثقة مجلس نواب الشعب ، وستنالها حتما لأن أغلبية النواب ليس لهم الجرأة الكافية لرفضها وتحمل تبعات خسارة الإمتيازات المادية والإعتبارية، ومنها الحصانة، التي ينعمون بها ، ولا عزاء للثورجيين وأصحاب معاول التهديم الذين وظفوا إنتفاضة الشباب والكادحين والمهمشين ووجهوها إلى حيث منافعهم ومصالحهم وأجندات مموليهم بالداخل والخارج.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك