لم نشهد في تونس إطلاقا تخبطا و ارتباكا في مؤسسات الدولة السيادية حتى خلال أيام ثورة جانفي 2011، ما يدل على عدم تناغم بينها وخلل عميق في التواصل و التنسيق و هناك أيضا ما يوحي من ناحية أخرى أن الحاكم الفعلي في بلادنا هو الرئيس قيس سعيد، و أن رئيس الحكومة القادم لن يكون سوى لوزير الأول، أو المعتمد لدى رئيس الجمهورية.
بقلم توفيق زعفوري *
خلال الأيام الماضية، شهدنا أحداثا مؤسفة في علاقة بطريقة عمل مؤسسات الدولة، منها بالخصوص تسمية وزير الثقافة وليد الزيدي، و امتعاضه عن قبول المنصب، و تصريح رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي بالإستغناء عنه و استبداله بغيره، دون تسمية من سيخلفه، ما يدل على غياب البديل وقتها، ثم يستقبله رئيس الدولة قيس سعيد و يسانده و يثبته في مكانه (!) في تجاوز صريح لخيارات رئيس حكومة مكلف من المفروض أنه يحظى بالثقة، ثقة أصبحت محل شك.
ثم يتواصل الجدل أيضا فيما يخص تسمية وزير التجهيز، وتشابه الأسماء وصولا إلى تعنت شوقي الطبيب و رفضه الإذعان للقانون رغم صدور نص إقالته في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، و قبلها تظلمت السيدة سميرة مرعي فريعة ضد قرار إقالتها من رئاسة قسم أمراض الرئة بمستشفى الرابطة، وردت المحكمة الإدارية الإعتبار لوزيرة الصحة و وزيرة المرأة و الأسرة و الطفولة السابقة، وقررت بتاريخ 3 أوت الجاري، أي شهر بعد قرار إنهاء المهام، ايقاف تنفيذ قرار وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، و تطالب باحترام أحكام القضاء.
في نفس السياق تتواتر أخبار مفادها إقالة إنصاف بن علية من اللجنة العلمية لمجابهة كورونا لمجرد أنها زارت مجلس نواب الشعب منذ أيام في إطار شرح البروتوكول الصحي المزمع اتباعه في المجلس، زيارة جاءت بعد إستشارة وزير الصحة بالنيابة…
اليوم يطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال، إلياس الفخفاخ، استعمال القوة العامة من أجل تثبيت الرئيس الجديد لهيئة مكافحة الفساد عوضا عن شوقي الطبيب…
الحقيقة أنه لم نشهد إطلاقا تخبطا و ارتباكا في مؤسسات الدولة السيادية حتى أيام الثورة، ما يدل على عدم تناغم بينها وخلل عميق في التواصل و التنسيق، و هو خلل قديم جديد، حصل أيضا بين رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي، و هو يوحي من ناحية أخرى أن الحاكم الفعلي هو الرئيس قيس سعيد أو الديوان الرئاسي، و أن رئيس الحكومة القادم ما هو إلا الوزير الأول، أو المعتمد لدى رئيس الجمهورية…
نحن اليوم إزاء تفكك و خلل يوحيان بتفتيت و تفكيك المؤسسات القائمة و إعادة تدويرها أو تدجينها من أجل خلق مركزية أحادية جديدة تمهد لنظام رئاسي بونابارتي…
* محلل سياسي.
شارك رأيك