في عملية تشكيل الحكومة الجديدة كانت الأمور تسير كما أراد الرئيس قيس سعيد وحلفاؤه أي إقامة حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب، قبل أن تنقلب رأسا على عقب بين الثلاثاء والاربعاء، بفعل الخلاف الذي أحدثه الرئيس مع رئيس الحكومة المكلف، هشام المشيشي، مما أعاد الأوراق بين أيدي راشد الغنوشي الذي قبل الهدية.
بقلم الصحبي بن فرج *
كل شيء كان يسير كما أراد الرئيس قيس سعيد وحلفاؤه : رئيس حكومة مدين له بالتعيين، هشام المشيشي، وحكومة مستقلة عن الأحزاب ( أي كما أراد مستقلة بالأساس عن حركة النهضة) وأغلبية برلمانية شبه مؤكدة خاصة وأن قلب تونس يعتبر أن إزاحة إلياس الفخفاخ أولوية مطلقة وهو ما أثٌر على قرار النهضة التي كانت متوجهة مكرهة للتصويت بالثقة للحكومة (تقريبا بدون أي ثمن سياسي) خشية أن تفقد حليفها الاستراتيجي نبيل القروي وفي حسابها أنه قد ينقلب عليها وينضم إلى لائحة سحب ثقة ثانية من راشد الغنوشي تطبخ في الكواليس.
كانت الأمور تسير في هذا الاتجاه قبل أن تنقلب رأسا على عقب بين الثلاثاء والاربعاء… ماذا حصل؟
الرئيس قيس سعيد يسحب الأوراق من يده و يهديها لراشد الغنوشي
الثابت الان ومن مصادر متقاطعة أن الرئيس قيس سعيد لم يعد راغبا في مرور الحكومة بعد أن تعكٌرت علاقته بهشام المشيشي نتيجة خلافات كثيرة حول تركيبتها قبل وبعد إعلانها، وآخرها ما حصل حول إسم وزير التجهيز : الرئاسة أصرت على كمال أم الزين والمشيشي تمسك بكمال الدوخ، مما استدعى تدخل رئيس المجلس لاستصدار صيغة رئاسية “لغوية” لحل الاشكال.
لم يكن لقاء عفويا ذلك الذي جمع الرئيس بوزير الثقافة المتعفف والمتردد ثم المُعفى ثم أخيرا المُثبٌٓت، وليد الزيدي، بل كان اللقاء المتلفز في قلب هذا السياق الخلافي المفاجئ والغريب بين الرئيس ومرشحه.
تقول مصادر موثوقة أن الرئيس أسر (وربما أكثر من ذلك) إلى راشد الغنوشي بأن حلٌ البرلمان ليس مطروحا لديه مما يُفهم بأن لا جناح عليه إن أسقطها في المجلس.
بل أن بقاء إلياس الفخفاخ وتعزيز حكومته وإعادة ضم وزراء النهضة إليها أصبح مطروحا كحل بديل لهشام المشيشي.
في الأثناء أعلنت عبير موسي عدم منح نواب حزبها الثقة للحكومة المعينة لأسباب تبدو واهية بالنظر الى أهمية الرهان.
النتيجة الطبيعية لهذا الانقلاب السوريالي للأحداث، أن منح الثقة للحكومة صار مرتبطا أساسا بتصويت كتلة حركة النهضة.
والنتيجة الآلية لذاك، هي أن مصير هشام المشيشي أصبح عمليا بين أيدي راشد الغنوشي الذي لن يرفض طبعا الهدية التي نزلت عليه من السماء.
السؤال اليوم هو التالي : من عزل المشيشي ودفعه الى حضن النهضة؟
تتوجه النهضة إذا لمنح الثقة للحكومة، ولن تخاطر بإعادة ورقة التكليف الى الرئيس ولن تطمئن لوعده بعدم حل البرلمان، وربما ستكون الخطة التي تطبخ بعيدا عن أعين الرئيس تعديل الحكومة بعد تثبيت المشيشي بما يناسب حركة النهضة بعد أن كانت تخطط لإسقاطها وزيرا وزيرا.
سيضم راشد الغنوشي ورقة الحكومة الى أوراقه في معركته في البرلمان وفي مقابل الرئيس، وسيخرج علينا قريبا من يتهم هشام المشيشي ويعايره بأنه صانع لدى الغنوشي وفي خدمة النهضة بدون أن يكلٌفوا أنفسهم عناء الإجابة عن سؤال وجودي : من عزله ودفعه الى حضن النهضة؟
* نائب سابق.
شارك رأيك